بريطانيا يَجب أن تَملُك الشّجاعة وتَعتذر وتَعترف بالمَسؤوليّة.. وتُقدّم التّعويضات ماليًّا وسياسيًّا
عبد الباري عطوان
أن تُصر السيدة تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، على الاحتفال بالذّكرى المِئويّة الأُولى لوَعد بلفور، وأن تُوجّه الدّعوة رسميًّا إلى بنيامين نتنياهو، نَظيرها الإسرائيلي، لكي يَكون نجم هذا الاحتفال، فإنّ هذا يُشكّل قمّة الاستفزاز، ويَتنافى مع كُل ادعاءات بريطانيا والغَرب في احترام حُقوق الإنسان وقِيَم العَدالة.
جيرمي كوربن، زعيم المُعارضة البريطانيّة، الذي عَرفته، وافتخر بمُشاركته في الكَثير من المَسيرات والنّدوات والمُناسبات الدّاعمة للقضايا العادلة، وعلى رأسها القضيّة الإنسانيّة، ومُعارضة الحَرب على العراق، جدّد العَهد، وأثبت صلابة مَواقفه في رَفض المُشاركة في هذا الاحتفال الذي يرى فيه خطيئةً كُبرى، فوَعد بلفور يَستحق الإدانة، لا الاحتفال لأنّه أسّس لأكبر مَظلمة في تاريخِ البشريّة الحديث، ويَتحمّل، وصاحبه، مسؤوليّة مَجازر وحُروب في المِنطقة فاق أعداد ضحاياها عشرات الملايين، وما زال سَفْك الدّماء مُستمرًّا.
نعم نَلوم بريطانيا، ونُوجّه اللّوم والإدانة إلى حُكومتها الحاليّة التي أصرّت، وبطريقةٍ وَقحةٍ، على تبنّي هذه المَظلمة، والإصرار على صحّة مَوقف الحُكومة التي أصدرت ذلك الوَعد الغادر، ولم تُظهر أيَّ ذرّةٍ من النّدم، وامتلاك الشجاعة الأخلاقيّة، وتتقدّم ولو بكلمةِ اعتذارٍ للضّحايا العَرب، والشعب الفِلسطيني، الذي أنتمي إليه إقليميًّا، أبرزهم.
مقالة بوريس جونسون، وزير الخارجيّة البريطاني، “الترقيعيّة” التي نَشرها يوم أمس، وتحدّث فيها عن ضرورة إكمال الشّق الثّاني من وعد بلفور، أي العَمل على إقامة دولةٍ فِلسطينيّة، كانت مُتأخّرةً جدًّا، وغير مُقنعة على الإطلاق، وتَرش المِلح على الجُرح الفِلسطيني المُلتهب، لأنّه وحُكومته، لم يَسيرا ولو رُبع خُطوة على هذا الطريق، ليس الآن، وإنّما مُنذ مِئة عام أيضًا، وتبنّت المواقف الإسرائيليّة كاملة، وأصرّت على إهانة الأُمّتين العربيّة والإسلاميّة، بدعوةِ ملك التطرّف والاستيطان، والمَجازر، في غزّة ولبنان، ولكي يَرقص في حَفل السيدة ماي على جِراحنا.
من الطّبيعي أن نُوجّه اللوم إلى أنفسنا أيضًا كعَرب، وعن فَشلنا في التصدّي لهذا المَشروع الصّهيوني مُنذ بداياته، وتَطبيق نصائح بريطانيا والغَرب المَسمومة في التّفاوض العَبثي مع دولة الاحتلال، والقُبول بحَل الدّولتين الوَهمي، وتَنصيب توني بلير، أكبر حليف لنتنياهو، مَبعوثًا للسّلام، لنُثبت عمليًّا النظريّة البريطانيّة والغربيّة التي تُؤكّد غباءنا وجَهلنا حتى لو امتلكنا المِليارات، ورَكبنا الطّائرات الخاصّة واليَخوت الفاخرة، وتَعلّمنا في أرقى الجامعات.
عَزاؤنا أن حالة الهَوان العَربي والإسلامي ارتطمت بالقاع، ولم يَعُد أمام أمّتنا غير الصّعود إلى أعلى، لأنها لم تَعد تعيش على الشّعارات، وإنّما على الأفعال، ويَكفي الإشارة إلى أن إسرائيل لم تَكسب جميع حُروبها التي خاضتها على مَدى أربعين عامًا، وبالتّحديد مُنذ حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973، وحتى الآن، ومن المُؤكّد أنّها ستَخرج من الحَرب المُقبلة، التي باتت وشيكةً جدًّا، مَهزومة.
فلتَرقص السيدة ماي على جُروح نَكبتنا، ولتتبادل الأنخاب مع صديقها نتنياهو المُلطّخة أياديه بدِماء أطفالنا في فِلسطين ولبنان وسورية، ولتَحتفل كما شاءت بهذهِ الذّكرى المَشؤومة، ولكنّنا لن نَنسى مُطلقًا أن بريطانيا وَضعت البِذرة الأولى لنَكبتنا، وتَشرّدنا، وضَياعِ حُقوقنا، وسنَظل نُطالبها ليس بالاعتذار، وإنّما أيضًا بالتّعويض.. وحَتمًا ستَعتذر.. والأيّام بيننا.
رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/11/02