هل تؤدّي إقالة الحريري إلى خسارة السعودية نفوذها في لبنان؟
حسن حردان
1 ـ لم يكن أحد يتوقع أن تقدم السعودية على وضع نفسها أمام اللبنانيين جميعا وفي المقدّمة مناصريها ومؤيديها في خانة الاتهام بإهانتهم والتعدّي بهذا الشكل الصارخ والسافر على كرامتهم وعلى سيادة واستقلال لبنان على نحو لم يسبق أن تعرّض له لبنان من دولة أخرى سوى «إسرائيل» عندما اجتاحت لبنان عام 1982 وفرضت انتخاب رئيس عليه بقوة الحراب الصهيونية.
السعودية أقدمت وعلى الطريقة الإسرائيلية لكن عبر استدعاء رئيس حكومة لبنان سعد الحريري إلى الرياض، حيث أجبرته على تقديم استقالته وفرضت عليه الإقامة الجبرية مانعة عودته إلى بيروت. وفي نفس الوقت صعّد وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان من حملته المسمومة التي تحرّض على إشعال الفتنة والاضطرابات في لبنان في وجه المقاومة التي حرّرت الأرض من الاحتلال الصهيوني والإرهاب التكفيري بالتكامل والتنسيق مع الجيش اللبناني ودعم واحتضان الغالبية من اللبنانيين. وكلّ ذلك بهدف أساسي وهو الانتقام من المقاومة لأنها هزمت «إسرائيل» وحمت لبنان وعزّزت سيادته واستقلاله وردعت العدوانية الصهيونية. لا بل إنها أسهمت أيضاً في درء خطر الإرهاب التكفيري الوهابي السعودي عن جميع اللبنانيين عندما أخذت قيادة المقاومة القرار الشجاع والهجومي الاستباقي في الذهاب إلى محاربة الإرهابيين والتكفيريين في سورية. ومؤازرة ومساندة الجيش السوري في تصدّيه للحرب الإرهابية الكونية بقيادة أميركا والعدو الصهيوني وحلفائهما في المنطقة والعالم. وبالتالي نجاح سورية بدعم من المقاومة وإيران وروسيا في إسقاط أهداف هذه الحرب حتى أصبحت هذه الأيام على أعتاب تحقيق النصر النهائي. على أنّ هذا الفشل الأميركي الصهيوني كان في الوقت نفسه فشلاً للسعودية التي رمت بكلّ إمكانياتها وقدراتها في الحرب ضدّ سورية وتلقت الهزيمة. لكن الأمر لم يتوقف على ذلك فقد ترافق هذا الفشل وهذه الهزيمة للرهانات السعودية في إسقاط سورية وفي المقدّمة نظامها الوطني المقاوم، ترافق مع هزيمة أخرى للمشروع السعودي في العراق الذي نجح في إسقاط مخطط تنظيم داعش الإرهابي وتحرير العراق منه. وإسقاط الخطة الأميركية الصهيونية السعودية لاستخدام ورقة مسعود البرزاني في شمال العراق لإرباك العراق وسورية عبر تحقيق الانفصال وإقامة دولة كردية في شمال العراق متصلة مع كانتون كردي مدعوم أميركياً في شمال سورية. وزاد من فداحة الخسارة السعودية تخبّطها وغرقها في حرب استنزاف ضدّ اليمن وشعبه وقد فشلت على مدى أكثر من عامين في تحقيق أيّ من أهدافها التي أعلنتها ما عدا نجاحها في تدمير اليمن وارتكاب المجازر وتجويع شعبه.
2 ـ اليوم السعودية من خلال إجبار الحريري على الاستقالة تندفع في حماقة جديدة ستؤدّي بها إلى خسارة نفوذها في لبنان، على غرار ما حصل في شمال العراق من خسارة مُني بها المحور الأميركي السعودي الصهيوني عندما حاول استخدام الورقة الكردية لتعطيل انتصارات محور المقاومة ضدّ داعش وإدخاله في حرب جديدة. فكانت النتيجة خسارة الورقة الكردية وعزلة البرزاني واتهام حزبه لأميركا بالتخلي عنه والغدر به.
السعودية من خلال استخدامها استقالة الرئيس الحريري سعياً إلى تفجير الاستقرار والأمن في لبنان لإرباك محور المقاومة تعتقد أنّ بإمكانها تعويض خسائرها في سورية والعراق واليمن والظهور بمظهر القادر على قلب الطاولة واستعادة زمام المبادرة وإدخال محور المقاومة في حالة ارتباك تمنعه من توظيف انتصاراته. وتتمكّن السعودية ومن ورائها «إسرائيل» وأميركا من محاولة استخدام لبنان رهينة لفرض الشروط على محور المقاومة للخروج من أزمتهم والحدّ من نتائج فشل حروبهم الإرهابية.
3 ـ هل ستنجح السعودية ومن ورائها أميركا و«إسرائيل» في ذلك؟
الواضح أنّ أميركا و«إسرائيل» تستخدمان السعودية كواجهة في الهجوم على لبنان ومحاولة إثارة الفتنة في وجه المقاومة. والسعودية قبلت هذا الدور من دون قراءة دقيقة للواقع اللبناني الجديد بعد انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً والإنجازات والنتائج التي تحققت في السنة الأولى من عهده، والتي عزّزت مناعة لبنان المقاوم في وجه أيّ عدوان صهيوني، لا سيما بعد تحرير السلسلة الشرقية من قوى الإرهاب التكفيري. وهو ما شكل انتصاراً جديداً لمعادلة الجيش والشعب والمقاومة وعزز الوحدة الوطنية ووجّه صفعة قوية لكلّ القوى الداخلية والخارجية التي سعت إلى استخدام ورقة الإرهاب ضدّ المقاومة والنيل من المعادلة الذهبية الثلاثية. إضافة إلى ذلك فإنّ الشعب اللبناني تعلّم من دروس الماضي وهو ليس على استعداد للسير وراء شعارات ودعوات التحريض على الفوضى والفتنة الداخلية لضرب أمنه واستقراره. فيما الجيش اللبناني بات أكثر انسجاما مع موقف رئيس الجمهورية خصوصاً بعد تعيين العماد جوزيف عون قائداً للجيش وهو الذي اتخذ موقفاً وطنياً برفض المشاركة في اجتماع لقادة الجيوش في واشنطن بسبب مشاركة قائد جيش كيان العدو الصهيوني. أما الأجهزة الأمنية فإنها باتت أكثر تنسيقاً وتكاملاً في محاربة وملاحقة الخلايا الإرهابية وشبكات الموساد. كلّ هذه العوامل تجعل من إمكانية العبث بالأمن والاستقرار صعبة المنال كما تمكّن لبنان من مواجهة أيّ محاولات أو مخططات تستهدف تفجير الاستقرار والعبث بأمنه.
تبقى محاولة السعودية استخدام ورقة الضغط الاقتصادي والمالي وهي ورقة ليس لها تأثير كبير على لبنان بعدما سحبت السعودية وديعتها من مصرف لبنان في السابق، وتخلّت عن أيّ دعم كانت تنوي تقديمه للجيش اللبناني، وبات ميزان التحويلات المالية بين البلدين في مصلحتها بعد الأزمة التي عصفت بالعديد من الشركات العاملة في السعودية وكذلك التقييدات التي اتخذتها الحكومة السعودية على التحويلات المالية إلى الخارج منذ فترة نتيجة الأزمة المالية على خلفية الإنفاق الكبير على الحرب ضدّ اليمن. غير أنّ الورقة الضاغطة التي يمكن أن تستخدمها السعودية وتؤثر بها على لبنان هي ورقة ترحيل أكثر من 270 ألف لبناني يعملون لديها. ومع ذلك بإمكان لبنان احتواء المضاعفات الاجتماعية لمثل هذا الإجراء إذا ما أقدمت عليه السعودية انتقاماً من رفض لبنان الرضوخ لإملاءاتها. فلبنان يستطيع اتخاذ جملة من الخطوات التي تردّد في الإقدام عليها سابقاً بسبب رفض فريق 14 آذار لها استجابة للضغط السعودي. ومن أهمّ هذه الإجراءات الإسراع في التواصل والتنسيق المباشرة مع الدولة السورية لحلّ أزمة النازحين السوريين وتأمين عودتهم الكريمة إلى مدنهم وقراهم المحرّرة من الإرهابيين، إضافة إلى توفير الظروف المواتية لمشاركة لبنان في عملية إعادة الإعمار في سورية. وقبول المساعدة الإيرانية لحلّ مشكلة الكهرباء وتسليح الجيش اللبناني والإسراع بعملية بدء الشركات النفطية في عملية استثمار واستخراج النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية.
إنّ مثل هذه الإجراءات وغيرها يمكن أن تؤمّن للبنان عائدات مالية هامة وتوفر عشرات آلاف فرص العمل وتخرج لبنان من نفق أزمة الكهرباء وتخفّف من الأعباء التي تتحمّلها الخزينة واللبنانيين.
ما تقدّم يؤشر إلى أنّ استخدام السعودية ورقة إقالة الرئيس الحريري يقود في نهاية المطاف إلى فشلها في تحقيق الأهداف التي أرادتها منها، ومعها إضعاف قوة القوى الموالية لها في لبنان، وبالتالي إضعاف النفوذ السعودي في لبنان المستمدّ من تأييد هذه القوى التي ستعمد إلى تحميل السعودية المسؤولية عن ذلك. تماماً كما حصل مع مسعود البرزاني وحزبه في شمال العراق حيث حمّلوا أميركا مسؤولية الخسارة التي تعرّضوا لها، وعدم تقديم أميركا المساعدة لهم وتركهم يحصدون الخسارة والتراجع في قوتهم ويدفعون ثمن رهاناتهم المتكرّرة على الدعم الأميركي. فهل تستفيد قوى 14 آذار من دروس البرزاني وحزبه وتتوقف عن تنفيذ الإملاءات السعودية والأميركية والرهان على الدعم الأميركي السعودي، على حساب سيادة لبنان واستقلاله وأمنه واستقراره.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/11/13