ثورات “الجوع والجياع″ قادمة في ظل استفحال الفساد والتهميش والتغول الطبقي..
عبد الباري عطوان
العبارة الدارجة على السنة الكثير من التوانسة الذين احتفلوا اليوم (الأحد) بالذكرى السابعة لثورتهم تقول “كسبنا الحرية لكن أوضاعنا المعيشية ازدادت سوءا”، ومن المفارقة أن هذه المظاهر الاحتفالية توازت مع مظاهرات غاضبة في العاصمة وعدة مدن تونسية احتجاجا على الغلاء، وارتفاع الأسعار، وزيادة الضرائب، ردد خلالها المحتجون شعارات “الثورة” التونسية و”شغل وحرية وكرامة وطنية”.
قد يكون التوانسة أفضل حظا من معظم أقرانهم العرب، لأنهم حققوا مطالبهم في الحرية، وعززوا دعائم مجتمع مدني ديمقراطي، وصحافة حرة، بينما تراجعت الحريات، وتدهورت الظروف المعيشية، في العديد من الدول العربية، بما فيها تلك التي شهدت ثورات طالبت بها، وقدمت التضحيات من اجلها، مثل مصر وليبيا وسورية واليمن، وتحولت معظمها، وخاصة ليبيا، واليمن وسورية، إلى دول شبه فاشلة تعمها الفوضى، وتواجه مخططات التفتيت الأمريكية.
منطقة “الشرق الأوسط” تقف برمتها حاليا على حافة “ثورات الجوع″، ودون أي استثناء، ويتساوى في هذه الحالة الأغنياء والفقراء معا، حيث لجأت الحكومات الفاسدة إلى تحميل الشعوب المسحوقة المقهورة، مسؤولية الأوضاع المعيشية المتدهورة من خلال رفع الدعم عن السلع الأساسية، وفرض ضرائب علنية ومستترة على الكثير من الخدمات والسلع الأخرى الضرورية في محاولة لسد العجز في موازنتها، وتسديد أقساط الدين العام وفوائده بتوصية صندوق النقد الدولي الدائن الأكبر، والمتآمر الأكبر.
***
القاسم المشترك في جميع الاحتجاجات هو ارتفاع أسعار الخبز، الذي كان منطقة محرمة على جميع الحكومات السابقة، هذا ما حدث في إيران وتونس والجزائر والسودان، فهذا زمن إسقاط المحرمات، ولا نستبعد تكرار السيناريو نفسه قريبا في مصر الأردن والمغرب، وحتى المملكة العربية السعودية نفسها.
السلطات الإيرانية استطاعت امتصاص حالة الغضب الشعبي من خلال الاعتراف بالخطأ، والتراجع عن القرارات التي أدت إلى إشعال فتيل الاحتجاجات، أما المملكة العربية السعودية فأقدمت على “ضربات استباقية” تمثلت بإعلان الحرب على “حيتان الفساد”، والزج بأكثر من مئتين منهم في السجون بطريقة عشوائية غير مدروسة، واللجوء إلى الاحتياطي المالي العام، وتخصيص ألف ريال “بدل غلاء” لموظفي الدولة، ونصف هذا المبلغ للمتقاعدين، وخمسة آلاف ريال دفعة واحدة للعسكريين الذين يقاتلون في اليمن، ولكن هذه الحلول مؤقتة، أي لمدة عام فقط، وجزئية لأنها لم تشمل الموظفين في القطاع الخاص وهم الأغلبية، مضافا إلى ذلك أن نسبة البطالة في أوساط الشباب في السعودية تزيد عن 34 بالمئة وهذا الرقم لا يشمل النساء، ومن المفارقة أن الدول الأخرى لا تملك احتياطات مالية، ونفطا وغازا، وإنما الفساد وسوء الإدارة.
وإذا كان المتظاهرون قبل سنوات في تونس والمغرب وليبيا ومصر واليمن وسورية هم من النخبة السياسية والطبقة الوسطى، فأن “ثوار الجوع″ هم من الطبقة المسحوقة المعدمة، الأمر الذي يجعل خطرهم أكبر، فماذا يمكن أن يخسر الإنسان المحروم من لقمة العيش، وهو يرى قطط الفساد السمان تنعم، وأسرها، برغد العيش، والقصور الفخمة والسيارات الفارهة.
حالة الاستفزاز التي تعاني منها معظم الشعوب العربية لا تأتي فقط من تدهور الأوضاع المعيشية وكسر ظهر المواطن بالضرائب، وإنما أيضا من فجور الأثرياء المقربين من دوائر السلطة، الذين لا يشعرون، بل وغير مستعدين أن يشعروا، بآلام المواطن وظروفه الصعبة، وتقديمه ككبش فداء لفشل سياساتهم وحكوماتهم، وهذا ما يفسر، ولكن لا يبرر، حالات السطو وتهشيم بعض الممتلكات العامة والخاصة.
فإذا أخذنا الأردن الذي يصل دينه العام إلى 36 مليار دينار، وفوائده تقدر بملياري دولار سنويا كمثال، نجد أن الطبقة الوسطى الغنية لا تحاول أن تقدم دينارا واحدا لميزانية الدولة، أو إنفاق جزء من ملياراتها وملايينها لمساعدة الفقراء، والجمعيات الخيرية، مثل بيل غيتس الذي خصص أكثر من نصف ثروته التي تفوق الخمسين مليار دولار لمساعدة الفقراء، أو نظيره بافيت، ومن يذهب إلى أحياء هؤلاء الأغنياء العرب يدرك جيدا ما نعني.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/01/15