المجلس الأعلى للدفاع في لبنان يفوض الجيش رسميا بمنع بناء الجدار الإسرائيلي الحدودي..
عبد الباري عطوان
حققت القيادة الإسرائيلية، ودون أن تقصد الإنجاز الأكبر، إلا وهو توحيد اللبنانيين جميعا، وعلى مختلف مذاهبهم وأعراقهم، في مواجهة استفزازاتها الحدودية، والبرية والبحرية، التي تصعّدها هذه الأيام، وتكشف طموحاتها التوسعية ونواياها العدوانية في الوقت نفسه.
الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة تشهد هذه الأيام سخونة غير معهودة دفعت كثيرين إلى توقع اشتعال فتيل الحرب الثالثة في أي لحظة، وهي حرب استعد لها لبنان، جيشا وشعبا ومقاومة، نفسيا وعسكريا.
الاستفزاز العدواني الإسرائيلي الأول جاء على لسان أفيغدور ليبرمان، وزير الحرب، الذي ادعى أن بلوك الغاز رقم “9” الذي يقع في المياه الإقليمية اللبنانية هو حقل إسرائيلي، وحذر “كونسورتيوم” من ثلاث شركات عالمية إيطالية وروسية وفرنسية من القيام بأي أعمال استكشاف وتنقيب فيه، أما الاستفزاز الثاني الذي لا يقل خطورة فجاء من خلال خطط إسرائيلية لإقامة جدار على ما يسمى بالخط الأزرق الذي يتعارض مع خط الهدنة، مما يعني ضم السلطات الإسرائيلية مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي اللبنانية.
*
التهديدات التي صدرت على لسان أكثر من مسؤول إسرائيلي بإعادة لبنان إلى العصر الحجري لم تحدث أي أثر على الشعب اللبناني ولم ترهب قيادته، بل زادتهم إصرارا على مواجهة هذا العدوان، وتلقين إسرائيل درسا جديدا أكثر إيلاما من حرب عام 2006، فإسرائيل هي التي تريد هذه الحرب، وعليها تحمل نتائجها، وهي وخيمة في جميع الأحوال.
إسرائيل بدأت تدفع بتعزيزات عسكرية باتجاه الحدود مع لبنان، و”حزب الله” رد بتحشيد قوات النخبة التي سحبها من سورية على طول الحدود الجنوبية، ووضعها في حالة تأهب قصوى، والشيء نفسه فعله الجيش اللبناني.
المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، الذي انعقد في قصر بعبدا برئاسة العماد ميشال عون، وفي حضور السيدين سعد الحريري، رئيس الوزراء، ونبيه بري، رئيس مجلس النواب، وقائد الجيش، وكبار العسكريين، اتخذ قرارا واضحا وصريحا بمنع دولة الاحتلال الإسرائيلي من بناء الجدار الحدودي فوق الأراضي اللبنانية، لأنه يشكل عدوانا، وانتهاكا للسيادة، وأصدر المجلس تعليماته بالتصدي لهذا العدوان دون تردد.
الاستفزازات الإسرائيلية، البرية والبحرية هي إعلان حرب على لبنان، وتحرش غير مسبوق بسادته وكرامته الوطنية، واللبنانيون وعلى أعلى مستويات قيادتهم بشقيها السياسي والعسكري، أعلنوا أنهم على قدر المسؤولية، ولن يترددوا في منع هذا الجدار بالقوة العسكرية، وهم أهل لها.
ليس لبنان الذي سيعود إلى العصر الحجري، مثلما هدد أكثر من مسؤول إسرائيلي، وإنما دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي لن يعرف مستوطنوها أين يختبئون للنجاة بأرواحهم هربا من عشرات آلاف الصواريخ التي ستنهال عليهم مثل المطر من أكثر من جبهة.
السيد حسن نصر الله، زعيم حركة المقاومة الإسلامية، وعى مبكرا هذه المخططات العدوانية الإسرائيلية، عندما هدد في خطاب ألقاه عام 2011 بأن “من يمس المنشآت المستقبلية للنفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية ستمس منشآته، والعدو يعلم أننا قادرون على ذلك”.
عندما أطلق السيد نصر الله هذه التهديدات كانت قدرات “حزب الله” الصاروخية أقل عشر مرات مما هي عليه الآن، والشيء نفسه يمكن أن يقال عن خبراته العسكرية التي أكتسبها من الحرب في سورية على مدى الأعوام الأربعة الماضية، وفي حرب تموز (يوليو) عام 2006 أيضا.
الخبراء والجنرالات الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي يحذرون من هذه القدرات، ويتحدثون عن 150 ألف صاروخ تزدحم بها ترسانة “حزب الله” العسكرية، وتحتضنها جبال الجنوب اللبناني الشامخة، وإذا أضفنا إليها ما في حوزة الترسانتين السورية والإيرانية من صواريخ مماثلة، وربما أكثر تطورا، فإننا نستطيع أن نفهم المرتكزات الرئيسية التي اعتمدت عليها “نصيحة” السيد نصر الله لليهود، التي وردت في أحد خطاباته قبل بضعة أشهر، بضرورة مغادرة فلسطين المحتلة في أسرع وقت ممكن حتى لا يكونوا وقود الحرب المقبلة.
لبنان لن يفرط بثرواته النفطية والغازية، ولن يتنازل عن شبر واحد من ترابه الوطني، وفوق ذلك سيطالب باستعادة القرى السبع التي اغتصبتها دولة الاحتلال إلى جانب الأراضي الفلسطينية أثناء حرب عام 1948.
في حرب تموز (يوليو) عام 2006 كان هناك انقسام بين اللبنانيين، من مؤيد ومعارض، في الحرب القادمة والمتوقعة، سينقلب هذا الانقسام إلى وحدة وطنية، والتفاف غير مسبوق حول الجيش والمقاومة، اللذين سيخوضان هذه الحرب جنبا إلى جنب دفاعا عن لبنان وسيادته وكرامته وثرواته الوطنية.
*
الجدران لم تحم المستوطنين الإسرائيليين في الإراضي الفلسطينية المحتلة، وقد تكون وبالا عليهم، ومصدر تهديد وجودي في حال بنائها فوق الأرض اللبنانية، فإذا كانت القبب الحديدية لم تحمهم من صواريخ حركتي “حماس″ و”الجهاد” الإسلامي أثناء حرب غزة الأخيرة، فهل ستحميهم من تلك الأكثر دقة وتطورا القادمة من لبنان، وربما من سورية وإيران وقطاع غزة أيضا؟
أي دولة هذه التي لا تستطيع حماية مستوطنيها إلا ببناء الجدران، وأي معيشة لهؤلاء العمر كله خلفها؟ أنها أكثر حالات النكران بشاعة وسذاجة معا.
إن هذه الجدران هي مؤشر على الرعب والخوف والقلق، من الحاضر والمستقبل معا، والأخطر من ذلك أن أصحابها يفقدون البوصلة، ويواصلون الاستفزاز، ويتجاهلون أمرا أساسيا وهو أن الزمن تغير، وأن الخصم تغير أيضا، ولم يعد يهرب ويرفع الرايات البيضاء، ويخلع ملابسه العسكرية، من أول غارة للطيران، مثلما كانت تفعل الجيوش العربية، ودروس حرب تموز عام 2006 وشقيقتها حرب غزة، وما شهدته من صمود أسطوري، وعمليات المقاومة الأخيرة في الضفة بعض الأدلة التي تؤكد ما نقول.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/02/07