لماذا قد يكون قرار عزل تيلرسون “الجائزة الكبرى” من ترامب للحلف الرباعي المقاطع لقطر؟
عبد الباري عطوان
قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “غير المفاجيء” بإقالة وزير خارجيته ريكس يتلرسون ربما يكون “الجائزة الكبرى” التي سيقدمها إلى الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذي سيلتقيه في البيت الأبيض بعد أسبوع، بسبب العلاقة الإستراتيجية التي تربط الأخير، أي تيلرسون، بدولة قطر، ومواقفه المعارضة لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وحرصه على بقاء تركيا الرئيس رجب طيب أردوغان حليفا موثوقا لواشنطن.
الرئيس ترامب اعترف في لقائه الصحافي الأخير الذي أعلن فيه قراره هذا بأن هناك خلافات بينه بين وزير الخارجية المعزول فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وأن التفاهم بينه والوزير الجديد مايك بومبيو في ذروته، والكيمياء الشخصية بينهما في أفضل أحوالها في معظم القضايا، إن لم يكن كلها.
بومبيو يشكل نسخة أكثر تطرفا من رئيسه ترامب، ويؤمن بالدبلوماسية المدعومة بصواريخ كرزو، ويعتبر الاتفاق النووي مع إيران الأكثر سوءا ويجب إلغاؤه، ويشاطر الرئيس ترامب عداءه للإسلام والمسلمين، ويستمد أفكاره المتطرفة هذه مع حزب الشاي اليميني المتطرف.
*
تيلرسون يعتبر في نظر الكثير من الأوروبيين آخر الرجال الحكماء في إدارة الرئيس ترامب، لأنه حذر بشدة من الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني لما يمكن أن يترتب على ذلك من تبعات خطيرة، وكان أقرب إلى الموقف الأوروبي، والأهم من كل ذلك تفضيله الحل السياسي عبر الحوار في الأزمة مع كوريا الشمالية، واستيائه من عملية “تهميشه” فيما يتعلق بـ”صفقة القرن” التي كانت احتكارا حصريا لجاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب.
أما لماذا سيكون عزله، وفي هذا التوقيت “هدية” للأمير محمد بن سلمان، فيعود بالدرجة الأولى إلى علاقة تيلرسون الوثيقة مع السلطات القطرية، ووقوفه ضد أي خيار عسكري في الأزمة الخليجية، وتبرئته قطر من تهمة الإرهاب عندما وقع معها معاهدة لمحاربة (الإرهاب)، وتجفيف منابع تمويله، وألقى باللوم علانية على تحالف الدول الأربع المقاطعة لها في استمرار الأزمة، وإفشالها لوساطته بسبب “تصلبها” في مواقفها وشروطها، وهي الوساطة التي قام بها بتكليف من الرئيس ترامب.
الدول الأربع تتهم تيلرسون بالانحياز إلى التحالف الثلاثي القطري التركي الإيراني، وتبنيه لهجة تصالحية تجاه أنقرة، والرئيس رجب طيب على وجه الخصوص، ومعارضته أي مواجهة عسكرية مع إيران، وبعض هذه الاتهامات ينطوي على الكثير من الصحة.
انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الإيراني حين تحين المراجعة المقبلة بعد بضعة أشهر بات مؤكدا، الأمر الذي قد يرجح احتمالات الحرب، في منطقة الشرق الأوسط، على وجه التحديد، ولم يجانب معدو التقرير السنوي لمؤتمر ميونخ الأمني في دورة انعقاده الأخيرة قبل أسبوعين، الصواب عندما حذروا أن العالم بات على حافة الهاوية، وحملوا الرئيس ترامب وسياساته المسؤولية الأكبر في هذا الصدد.
بالأمس نقلت وكالة أنباء “تاس” الروسية الرسمية عن الجنرال فاليري غراسيموف، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الروسية قوله، إن جماعات متشددة في الغوطة الشرقية تستعد لاستخدام أسلحة كيماوية تعتمدها القيادة الأمريكية كذريعة لتوجيه ضربات صاروخية ضخمة لأهداف سورية ربما تكون في دمشق نفسها، مؤكدا أن روسيا سترد، ولن تقف مكتوفة الأيدي في حال تعرضت أرواح جنودها ومصالحها للخطر.
*
ترامب سيجد إلى جانبه الآن وزير خارجية يؤمن بدبلوماسية الحرب، ويكتسب خبرة غير مسبوقة، في التآمر في الغرف السوداء، اكتسبها من عمله كرئيس لوكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه”، ويعتبر من أكثر الصقور تطرفا تجاه إيران وكوريا الشمالية، ولهذا سيجد له مريدين كثر في السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر، ومن غير المستبعد أن يتزعم الجناح المطالب بنقل قاعدة العديد الجوية الأمريكية من قطر إلى أحد هذه الدول، والإمارات والسعودية على وجه الخصوص، وهي خطوة يؤيدها الرئيس ترامب.
نضع أيدينا على قلوبنا قلقا من حماقات هذا الرجل القابع في البيت الأبيض وسياساته المتهورة، ولكن لم يبق لدينا الكثير الذي يمكن أن نخسره، في ظل هذا الخراب والدمار الذي بات العنوان الرئيسي لمعظم دول المنطقة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/03/14