هذا “الفيتو” الأمريكي الدَّاعِم للمَجازِر الإسرائيليّة في مجلس الأمن سَيُعزِّز مَسيرات العَودة والإيمان بالمُقاوَمة..
عبد الباري عطوان
أن تَستخدِم الولايات المتحدة “الفيتو” ضِد مَشروع قرار تقدَّمت بِه الكويت إلى مجلس الأمن الدَّوليّ يُطالِب بحِمايةٍ دوليّةٍ للمَدنيين الفِلسطينيين في قِطاع غزّة الذين يَتعرَّضون لمجازِر إسرائيليّة، فهذا المَوقِف الأمريكي اللاأخلاقي والعُنصري الطَّابًع مُتوقَّع وليس جديدًا أن تكون المندوبة الأمريكيّة نيكي هيلي وَحيدةً في المجلس ولم تَحْظَ بدَعمِ دَولةٍ واحِدة سواء من الدُّوَل “الدَّائِمةِ” العُضويّة الخَمس، أو الدُّوًل العَشر “المُؤقَّتة”، والأهم من ذلك أنّ مَشروعًا أمريكيًّا آخر يُدين حركة “حماس” ويُحَمِّلها مَسؤوليّة أحداث العُنف الأخيرة مُنِي بهَزيمةً مُنكَرةٍ.
إنّها قِمّة الوقاحة أن تُبريء الوِلايات المتحدة، التي نَصَّبَت نفسها زعيمة العالم الحُر، دولة الاحتلال الإسرائيلي من مَجازِرها التي قتلت فيها 119 شَهيدًا وأكثر من 30 ألف جريح في قِطاع غزّة، من المَدنيين العُزَّل، وتتقدَّم بمَشروعِ قرارٍ يُدين حركة “حماس” ويُحمِّلها المَسؤوليّة، ثم يَسألون، أي الأمريكان، لماذا يَكْرَهنا العَرب والمُسلِمين؟
كيف يُريدوننا أن نُحِب إدارةً تنحاز بالكامِل إلى كُل مُمارَسات الإرهاب الإسرائيلية، وتدعم إطلاق جنود الاحتلال النَّار على مُتظاهِرين عُزَّل تظاهَروا على الجانِب الآخر من السُّور الحُدودي احتجاجًا على حِصارِهِم الخانِق، ومُخطَّطات تَجويعِهِم، والتَّأكيد على حَقِّهِم في العَودةِ إلى دِيارِهم؟
كيف يُريدوننا أن لا نَكره إدارةً تُمارِس كُل أشكال العُنصريّة ضِد زُوَّارِها المُسلمين، وتًتعاطى مع مُعظَمِهم كإرهابيين، وتُمارِس أبشَع أنواع الإذلال لهم في مَطاراتِها، والأكثر من ذلك، تُصْدِر قوانين تَعتقِل بمُقتَضاها المُهاجِرين غير الشَّرعيين، وتَنتَزِع أطفالهم منهم، ولا تسمح لهم برؤيَتِهم أو معرفة أي شَيء عَنهَم؟
*
أهلنا في قِطاع غزّة لن يَركَعوا، ولن يَستَسلِموا، وسَيُواصِلون مَسيراتِهم التي فَضحت مُجدَّدًا الوَحشيّة الإسرائيليّة العُنصريّة وداعِميها في أمريكا وبعض الدُّوَل الغربيّة، وأعادت القضيّة العَربيّة الفِلسطينيّة العادِلة إلى صَدر الاهتمام الدَّوليّ مُجدَّدًا، مُضَحِّين بِدمائِهم وأرواحِهم كَسرًا لحواجِز النِّسيان، والصَّمت والتَّضليل التي تُريد إسرائيل فَرضها بِقُوَّة الإرهاب.
نيكي هيلي مُمَثِّلة العُنصريّة والإرهاب الأمريكي في مجلس الأمن، وتلميذة بنيامين نتنياهو المُخلِصَة، هَدَّدت قبل عامٍ بانسحاب بِلادِها من مجلس الأمن الدَّوليّ إذا استمرَّ بانتقاداتِه لإسرائيل وسِجِلها الدَّمويّ في مَيدان حُقوق الإنسان، ولا نَعرِف لماذا لا تُنَفِّذ تهديداتها هذه بعد إن ضاق العالم ذَرعًا بمواقِف حُكومتها التي تُشَجِّع انتهاكات حقوق الإنسان، خاصَّةً إذا كان الضحيّة من العرب والمسلمين وعلى أيدي الجَلّاد الإسرائيلي، فأساليب الابتزاز الأمريكيّة هذه باتت مَرفوضةً حتى من أقرب حُلفائِها الأوروبيين، الذي ردَّوا على أحدث فُصولِها المُتمثِّلة بفَرض ضرائِب على صادِراتهِم ومَنتوجاتِهم بالمِثل، ومن المُؤسِف أن الوحيدين الذين يَخضَعون لهذا الابتزاز هُم بعض الأشِقّاء في مِنطَقة الخليج العَربيّ.
الطَّائِرات الوَرقيّة “المَلغومة” التي أطلقتها العُقول المدنيّة المُبدِعة، وأحرَقت حُقول القمح الإسرائيليّة المُغتَصَبة على الجانِب الآخر من الحُدود، والرَّد الفَوريّ بأكثَر من 150 قذيفة هاون من قِبَل رِجال المُقاوَمة على قَصفِ الطَّائِرات الإسرائيليّة، وهي القذائِف التي أرعَبَت المُستَوطنين في شِمال القِطاع، تَعكِس المُعادَلة القَديمة المُتجدِّدة، بأنّ الإرادة الفِلسطينيّة الصُّلبَة باستمرار المُقاومة، بأشكالِها كافَّةً، هي التي تَملُك قرار التَّصدِّي أو التَّهدِئَة.
جميلٌ أن يرفَع المُحتجُّون الفِلسطينيّون أعلام الكويت في وَجه المُحتلِّين المُدَجِّجين بالسِّلاح عُرفانًا بالجَميل، وتقديرًا لمَوقِفها في مجلس الأمن المُطالِب بالحِماية، والرَّافِض للإرهابَين الأمريكي والإسرائيلي، وتوجيه رسالة قويّة إلى المُطبِّعين العَرب مع دولة الاحتلال التي يَرون فيها حَليفًا وحامِيًا، ويُوجِّهون سِهامَهُم المَسمومة إلى ضَحاياها العَرب العُزَّل.
*
يَحتَفِلون بالمَوقِف الكُويتي المُشرِّف، ويُشَيِّعون بالآلاف في الوَقت نفسه الشًّهيدة رزان أشرف النجار، الطبيبة الشابّة الجميلة المُسعِفة التي ارتقَت روحها أثناء أدائها لواجِبها المُقدَّس في تَضميد جِراح المُصابين بِرصاص الغَدر الإسرائيلي على الحُدود التي سَتُحَطِّم أسوارها يَومًا، نَراهُ قريبًا، مَسيرات العودة المُبارَكة، وأبناء فِلسطين البَررة، أهل الرِّباط، وأحفادُ الصَّحابة.
فلتستخدم أمريكا حق النقض “الفيتو” حِمايةً للمَجازِر الإرهابيّة الإسرائيليّة، ولتَدعم الاحتلال وجرائِمه، ولتُصدِر “صفقة القرن”، ولكنّها لن تَجِد أُمّةً مُستَسلِمة، ألم تدعم عُملاءها في فيتنام؟ ألم تُحاصِر كوبا أكثر من 50 عامًا؟ ألم تَخرُج مَهزومةً من العِراق؟ ألم تتوسَّل حركة “طالبان” لانسحاب آمِن من أفغانستان؟ ألم تَهرَع إلى كوريا الشماليّة طَلبًا للتَّفاوض بعد تَهديداتِها الجَوفاء بِزِرِّها النَّوويّ الأكبَر؟
شعب يُقَدِّم ستّين شهيدًا وثلاثة آلاف جريح في يومٍ واحِد، ويَبُث الرُّعب في قُلوبِ أعدائِه، ويَحشِد العالم بأسْرِه مُجدَّدًا خَلف قضيّته، ويَنْفُض عَنها غُبار النِّسيان الظَّالِم، هذا الشَّعب لا يُمكِن إلا أن يَنْتَصِر.. والأيّام بَيْنَنَا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/06/03