هل طَبّقت حُكومات السعوديّة ومِصر والأُردن “إعلان مَبادِئ” الدُّوَل السَّبع لـسورية.. حتّى تَفرِضها على الآخَرين؟
عبد الباري عطوان
سلَّمت مجموعة الدُّوَل السَّبع “المُصغَّرة” التي تتزعّمها الوِلايات المتحدة الأمريكيّة، وتَضُم بريطانيا وفرنسا وألمانيا وثَلاث دُوَلٍ عربيّةٍ هي السعوديّة ومِصر والأُردن، المَبعوث الأُمميّ ستيفان دي ميستورا “إعلان مَبادِئ” تتضمَّن رؤيةَ المجموعة لمُستَقبل سورية، والشُّروط التي يَجِب تَوفُّرها لأيِّ مُشاركةٍ في عمليّة إعادَة الإعمار.
اللَّافِت في “إعلان المَبادِئ” هذا أنّه لا يتعاطَى مع تَطوُّرات الوَضع الراهن على الأرض السوريّة، الذي يتلخَّص في استعادَة الدولة لأكثَر من 85 بالمِئة من المناطق التي كانَت خارِج سيطرتها، وإنّما على ما كان عليه الوَضع قبل خمس سنوات عِندما كانَت هَذهِ الدُّوَل السَّبع تَملُك اليَد العُليا، ويُسيطِر حُلفاؤها من الفَصائِل المُسلَّحة على نِصف الأراضي السوريّة، إن لم يَكُن أكثَر.
***
ما يَدفعنا إلى طَرح هذا الاستنتاج بعضُ الشُّروط الأساسيّة التي تَضمَّنها هذا الإعلان، ونَراها غير واقعيّة، ويُمكِن تَلخيصُها في النِّقاط التالية:
ـ أوَّلاً: مُطالَبة الحُكومة السوريّة بقَطع علاقاتها نِهائيًّا مع إيران وكُل أذرُعِها العسكريّة والسياسيّة، وهَذهِ إشارة واضِحة إلى “حزب الله” تَحديدًا.
ـ ثانِيًا: يتعاطَى هذا الإعلان مع سورية المُستَقبل ككيانٍ مُقسَّمٍ إلى قِسمَين، الأوّل الذي تُسَيطِر عليه الحُكومة السوريّة، والثاني “المناطق المُحرَّرة”، وجميع الشُّروط الإصلاحيّة، الدستوريّة والأمنيّة والسياسيّة والهيكليّة، تنطبق فقط على المَناطِق الخاضِعة للحُكومة، وليس لها أي علاقة بالمَناطِق “المُحرَّرة”، ونَعتقِد أنّ هَذهِ المَناطِق هي شَرق الفُرات حيث احتياطات النِّفط والغاز ومَناطِق في شمال غرب سورية، تشمل إدلب وعِفرين والباب وغيرها، مِمّا يُوحِي بأنّ الرِّهان على عَدم عَودتِها إلى الدولة السوريّة ما زالَ قائِمًا.
ـ ثالثًا: تحويل مَنصِب الرئيس، حتّى في ظِل إجراء انتخابات برلمانيّة ورئاسيّة بإشراف الأُمم المتحدة إلى مَنصِبٍ صُوَريٍّ بِلا أيِّ صلاحيّات، أي أن لا يختار رئيس الوزراء، وأن لا يتدخَّل في اختيارِ الوزراء، وأن لا تكون له أي علاقة بالأجهزةِ الأمنيّة.
ـ رابِعًا: تطبيق مَبدأ اللامركزيّة في إدارة المَناطِق وتَمَتُّعِها بحُكمٍ ذاتيٍّ، وتكون علاقَتها مع الدَّولةِ المركزيّة “صُوَريّة”.
ـ خامِسًا: أن تكون سورية الجديدة خالِيةً من أسلحةِ الدَّمار الشَّامِل، وأن لا تسعى لامتلاكِها في المُستَقبل، ولا نَستبعِد المُطالَبة لاحِقًا بجَعلِها مَنزوعَةَ السِّلاح.
لا شَك أنّ هُناك نُقاطًا ومَبادِئ تتَّسِم بالإيجابيّة ولا بُد من تَطبيقِها، مِثل القَضاء المُستقل، ونَزاهَة الانتخابات، ومُشارَكة جميع السُّوريين فيها، بِما في ذلك اللَّاجِئون تَرشيحًا وتَصويتًا، وتَهيِئة البيئة اللازِمة لعَودة اللاجئين، وإجراء إصلاحاتٍ دُستوريّةٍ، لكنّها جاءَت من مُنطلَق المَقولة التي تقول “كمَن يَرُش السُّكَّر على المَوت”، لأنّها تُخفِي الأهداف الحقيقيّة المَسمومة التي يَصعُب على أيِّ نِظام مُحتلَّة أراضِيه قُبولَها.
هَذهِ الشُّروط أمريكيّة إسرائيليّة بالدَّرجةِ الأُولى جرى توسيع دائِرة “بيكارها”، بإضافَة ثلاث دُوَل أُوروبيّة، وثلاث دُوَل عربيّة، لإضفاءِ طابَعٍ دَوليٍّ عليها في مُحاوَلةٍ مَدروسةٍ لتَسويقِها، وإضفاءِ طابَع “المَشروعيّة” العَربيّة عليها.
جَميلٌ أن تكون السعوديّة ومِصر والأُردن مِن بين الدُّوَل السَّبع التي تقدَّمت بإعلانِ المَبادِئ هذا، ولكن نَرى مِن حقّنا أن نَسأل عمّا إذا كانَت حُكوماتها تُطبِّقها داخِل حُدودها؟ وهل قادَة هَذهِ الدُّوَل، مُلوكًا كانوا أو رؤساء، فِعلاً لا يَختارون رؤساء الوزراء، أو الوزراء، ولا يُسيطِرون على الأجهزةِ الأمنيّة، ويُكرِّسون استقلال القَضاء في بِلادِهم، ويُجرون انتخاباتً حُرّةً نَزيهةً بإشرافٍ أُمميّ؟
قَطع العَلاقة مع إيران كشَرطٍ للمُشاركةِ في عمليّة إعادة الإعمار شَرطٌ تَعجيزيٌّ، فإذا كانَت السُّلطات السوريّة رفضت هذا المَطلب قبل أن تَبدأ الأزَمة وتتفاقَم، ولِقاءَ عَرضٍ ماليٍّ “أوّليٍّ” من قِبَل السعوديّة وقَطر بأكثَر مِن 15 مِليار دولار، فهل ستَقبل بِه الآن بعد سَبعِ سنوات مِن الدَّمارِ والقَتلِ والتَّهجير، ومُشارَكة إيران وحزب الله، وفصائِل أُخرَى مُوالِية لَهُما في الدِّفاع عن الدَّولةِ السوريّة، ومَنعِها من الانهيار، وضَخ عَشَرات المِليارات، وسُقوط آلافِ القَتلى في إطارِ عمليّة الدِّفاعِ هَذهِ؟
هَذهِ الدُّوَل السَّبع، باستثناءِ مِصر، هي التي لَعِبَت الدَّور الأكبَر في دَمار سورية بدَعمِها للمُسلَّحين، ولذلِك هِي التي يَجِب أن تقوم بالدَّور الأكبَر في عمليّة إعادَة الإعمار ودُونَ أيِّ شُروطٍ مُسبَقةٍ، أليسَ هذا ما تَنُص عليه القَوانين الدَّوليّة والسَّماويّة؟
***
نعم.. نُريد سورية الجَديدة دَولةً ديمقراطيّةً تَسودُها المُصالحة، والتَّسامح والحُريّات والمُساواة، والقَضاء العادِل المُستَقل، بأجهزةٍ أمنيّةٍ مُحتَرفةٍ تَحمِي شَعبها وأمنه واستقراره، وبَرلمان مُستقل يُمارِس دَوره الرَّقابيّ على الدَّولةِ ومُؤسَّساتِها التنفيذيّة، وبَرلمانٍ مُنتَخَبٍ في انتخاباتٍ حُرَّةٍ نزيهة، ولكن هَذهِ سورية وليسَت السويد والدنمارك وسويسرا، وتَقَع في الشرق الأوسط، وتَحتَل أراضيها دولة اسمها إسرائيل، وتُغير طائِراتِها، أي إسرائيل، بصِفَةٍ مُنتَظمةٍ لضَربِ أهدافٍ في عُمقِها في اختراقٍ استفزازيٍّ لأمنِها واستقرارِها.
مَرَّةً أُخرَى نَستغرِب وجود مُمَثِّلين ووزراء عَرب في هَذهِ المَجموعة، يُوافِقون على إعلانِ المَبادِئ هذا، وكأنّهم مِن كَوكَبٍ آخَر، ولا يَعرِفون أنّ الجيش العربيّ السوريّ استعادَ الغُوطة الشرقيّة وحلب ودَرعا ودِير الزور، ويَستعد لاستعادَة إدلِب وكُل ما تَبقَّى من أراضٍ خارِج سيطرة الدَّولة.. ونَكتَفِي بهذا القَدر، ونَتْرُك الباقِي لَكُم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/09/15