مدينتان سوريتان ستقرران مصير الصراع والحرب المباشرة ستحل محل نظيرتها بالنيابة
عبد الباري عطوان
مناورات “رعد الشمال” التي تشارك فيها قوات عدة من دول خليجية وعربية، وتجري بقيادة المملكة العربية السعودية في مناطقها الشمالية القريبة من الحدود العراقية والأردنية، أمطرت حتى الآن 15 طائرة من طراز “اف 16″، استعدادا لبدء حرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في الرقة ودير الزور والموصل، وكمقدمة لدخول قوات برية عبر الحدود الأردنية باتجاه الأولى، للسيطرة على جميع الأراضي التابعة لها، أي لـ”الدولة”، وإقامة دولة “سنيستان”، إذا سارت الأمور وفق مخططاتها، خاصة أن الولايات المتحدة أرسلت “قوات خاصة” من الفرقة 101 من قواتها للتقدم نحو الموصل.
في الشمال تعيش تركيا حالة من الارتباك في ظل تقدم القوات السورية نحو حلب، والنجاح في فرض حصار عليها بغطاء جوي روسي، واستيلاء الجيش الديمقراطي السوري الذي يتكون من خليط من قوات كردية وعربية على قاعدة مينغ الجوية، والاقتراب من السيطرة على مدينة أعزاز، التي يمكن أن تؤدي هذه الخطوة إلى قطع الطريق بين حلب والحدود التركية، ولهذا أكد السيد أحمد داوود أوغلو رئيس وزراء تركيا أن المدينة، أي أعزاز، خط أحمر لا يمكن السماح بسقوطها، وهذا ما يفسر قصف مدفعيته لقوات حماية الشعب الكردي المنضوية تحت إطار الجيش الديمقراطي السوري.
***
إنها قصة مدينتين سوريتين، حلب والرقة، التي يمكن أن يقرر مصيرها، ليس سورية فقط، وإنما منطقة الشرق الأوسط، وربما العالم بأسره، لأنهما ستكونان محور كل التحديات والحشودات في الأسابيع والشهور المقبلة.
مفاوضات الحل السياسي في جنيف، وقبلها في فيينا انهارت، واتفاق القوتين العظميين روسيا وأمريكا على وقف إطلاق النار لمدة أسبوع للسماح بمرور المساعدات الإنسانية للمحاصرين، وتهيئة الأمور لاستئناف مؤتمر “جنيف” تبخر، ولم يعد يتحدث عنه أحد.
التطور الأبرز في المشهد السوري يمكن تلخيصه بالقول إن الحرب التي كانت تشن بالنيابة بين روسيا وأمريكا وحلفائهما على الأرض السورية فشلت، وباتت هذه القوى تستعد لإرسال قواتها وحشد طائراتها لحرب مباشرة، وهنا تكمن الخطورة.
السعودية التي تقرع طبول الحرب البرية بقوة هذه الأيام مصرة هي وحلفاؤها الخليجيين وبعض العرب على إسقاط النظام السوري مهما كلف الثمن، في حالة من العناد غير مسبوقة، بينما تعمل روسيا وحلفاؤها في إيران ولبنان، على إبقاء الرئيس الأسد في السلطة نكاية في السعودية وحفاظا على مصالحها وهيبتها وخططها للعودة إلى سقف العالم كقوة عظمى.
الولايات المتحدة الأمريكية لم تقرر، حتى كتابة هذه السطور، ما إذا كانت ستقود القوات البرية السعودية والأخرى الخليجية أم لا، لان التجاوب مع المطالب السعودية الخليجية في هذا الإطار يعني خوض حرب مباشرة مع روسيا، الأمر الذي يتعارض كليا مع سيادة الحذر التي يتبعها الرئيس أوباما منذ استلامه السلطة قبل ثماني أعوام تقريبا.
دبلوماسي روسي كبير التقيته أثناء مشاركتنا في ندوة سياسية مشتركة، أكد لي بان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يتردد لحظة في خوض حرب ضد تركيا، أو حتى أمريكا، لمنع سقوط الرئيس الأسد ونظامه، لان هذا السقوط يعني هزيمة مشروعة في سورية، وقال، أنا أعرف الرئيس بوتين جيدا، ولن استغرب إذا ما قام بالضربة الأولى، فهزيمته في سورية تعني هزيمته في الداخل الروسي، وهو لن يجعل من سورية أفغانستان أخرى بالنسية إليه.
نقاط الاحتكاك الساخنة ربما تكون الرقة وأعزاز، فالقوات السورية تتجه نحو الرقة لتصل أولا قبل أي قوات برية سعودية وتركية، ولإحباط مخطط تقسيم سورية إلى شرقية وغربية، على غرار ألمانيا، وأي صدام بين الجانبين سيؤدي حتما إلى تدخل القوات الروسية لصالح قوات الجيش العربي السوري، لأن التحالف الروسي السوري لن يسمح مطلقا باستبدال “الدولة الإسلامية” بدولة “سنيستان”، تشكل أرضية وورقة مساومة للحصول على رأس الأسد في مقابل التخلي عنها.
تركيا التي تقاتل من أجل منع إقامة منطقة حكم ذاتي، أو كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية مع سورية، لا تمانع قيام هذه “الدولة السنية” في الشرق السوري، على أنقاض “الدولة الإسلامية” في حال هزيمتها، ولكنها مغامرة مزدوجة غير مأمونة العواقب.
***
الصراع المتصاعد على الأرض السورية ربما يطيح بممالك ورؤوس كبرى، وإمبراطوريات، ويؤدي، إذا ما انفجر، إلى مواجهات دموية تؤدي إلى مقتل مئات الآلاف، أن لم يكن الملايين، فمن غير المستبعد استخدام أسلحة كيماوية (الدولة الإسلامية تملك مخزونا هائلا منها)، أو حتى أسلحة نووية، فروسيا لا تملك قواتا كافية لمحاربة تركيا في سورية، وقد تلجأ إلى أسلحتها التقليدية، وغير التقليدية، في حال جرى إغلاق مضيق البوسفور، أو تعرضت احد قواعدها في سورية للقصف، حسب ما أكد المصدر السابق نفسه.
إسرائيل التي باتت جزءا أصيلا من “المعسكر السني” قد تخرج من حيادها الكاذب، وتدخل إلى الحلبة السورية، وما المصافحة العلنية التي تمت بين موشيه يعلون وزير الأمن الإسرائيلي، والأمير تركي الفيصل، رئيس المخابرات السعودي الأسبق، ومهندس العلاقات الإسرائيلية السعودية، أثناء انعقاد مؤتمر الأمن في ميونخ يوم أمس، وحديث يعلون عن علاقات إستراتيجية مع أنظمة سنية عربية في الخليج وشمال أفريقيا، وإشادته بالسعودية كزعيم للمعسكر السني ضد إيران، إلا أحد الملامح الرئيسية لتحالفات حرب المستقبل الوشيكة في المنطقة.
النار تحت الرماد، والمنطقة تنتظر عود الثقاب الذي قد يفجرها وحربها الضروس، أنها الحرب.. سواء كانت إقليمية أو كونية.. أو هكذا تسير كل الوقائع والمؤشرات.. الم يتنبأ هنري كيسنجر قبل ثلاث سنوات بأن الحرب العالمية الثالثة ستنطلق من سورية؟ نأمل أن لا تتحقق نبوءته.
رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/02/16