ما هِيَ المُفاجأة التي سَيُفَجِّرها أردوغان في خِطابِه غَدًا؟
عبد الباري عطوان
يَحبِس العالم أنفاسه انتِظارًا لخِطاب الرئيس رجب طيّب أردوغان غدًا الثلاثاء لأنّه رُبّما يكون الحَلقَة الأهَم في المُسلسل التركيّ الطَّويل الذي تَدور أحداثُه حول اغتيال الصِّحافي السعوديّ جمال خاشقجي في مَقرِّ قُنصليّة بلاده في إسطنبول، فتأجيل الخطاب بضعة أيام جاء بهدف زيادة حجم الإثارة وتصعيد وتيرة التشويق، وإفساح المجال لبعض المساومات، وربما الصفقات.
الذين سيتحولقون أمام محطات التلفزة العالمية التي ستبث هذا الخطاب حيا على الهواء، سيبحثون عن جُمل محددة، وإجابات عن أسئلة كثيرة تتردد منذ عشرين يوما، أبرزها عما إذا تم العثور على جثمان الضحية، وهل هي مقطعة أم سليمة، وكيف تمت عملية القتل، خنقا أم نشرا (بالمنشار الكهربائي)، وهل الرأس سيكون مع الجثة، أم أنه جرى نقله إلى الرياض في أحد الحقائب السوداء؟
***
هذه هي المرة الأولى، ومنذ بداية الأزمة يخاطب الرئيس أردوغان العالم، فقد اكتفى طوال الفترة الماضية، باللجوء إلى التسريبات المنسوية إلى مصادر تركية “مجهولة” من قبيل الإثارة أولا، وإبقاء الأزمة حية تحتل العناوين الرئيسية ثانيا، وممارسة ضغوط على السلطات السعودية للتخلي عن حالة “الإنكار” والاعتراف بارتكاب الجريمة ثالثا، وقد أجاد الأتراك تنفيذ هذه الإستراتيجية بدهاء يحسب لهم، واثبتوا أنهم “خبراء” في فن العلاقات العامة، بينما فشل نظراؤهم السعوديون في هذا الاختبار، وكانت روايتهم مهزوزة فاقدة المصداقية ومليئة بالثقوب.
الإعلان عن العثور على جثة الفقيد سيكون حدثا مزلزلا، وانجازا سريعا وقويا لأجهزة الأمن التركية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن آخر الراويات السعودية الرسمية أكدت أنه جرى قتله خنقا بعد شجار مع المحقيين معه داخل القنصلية، وقالت إحدى التسريبات التركية أن عملية الخنق استغرقت ثماني دقائق، بينما قالت أخرى أن رأس الخاشقجي الذي قطع بالمنشار نٌقل إلى الرياض “لطمأنة” المسؤولين، وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، الذي تؤكد معظم المصادر أن هو صاحب القرار خلف هذه الجريمة.
الموقف الرسمي السعودي سيكون في موقف محرج بل صادم، إذا أكد الرئيس أردوغان صحة الروايات التي تحدثت عن منشار العظم الكهربائي الذي ستظل صورته، وكل “النكات” التي جرى تأليفها حوله، كابوسا تطاردهم، وتضج مضاجعهم، وتحرمهم من النوم لسنوات قادمة، ولا نعتقد أن محيطات العالم ستغسل دماء هذه الجريمة وآثارها، والشوائب التي علقت بصورة القيادة السعودية عربيا، وإسلاميا، عالميا.
لا نبالغ أيضا إذا قلنا أن “شهادة” أردوغان الرسمية المتوقعة، المدعومة بالصور والوثائق، ستحرج الكثير من الحكومات العربية التي سارعت بإصدار بيانات رسمية تتضامن فيها مع المملكة، وتؤكد على شفافيتها، وتشيد باحترامها لحقوق الإنسان، بشكل مباشر أو غير مباشر، وثقتها، أي هذه الدول، بصدقية تحقيقاتها وبياناتها.
هناك نظريتان حول كيفية تعاطي الرئيس أردوغان مع هذه الأزمة، ربما تنعكس في خطابه غدا:
الأولى: أنه سيكون حازما في كشف كل الحقائق، غير عابيء بالرد السعودي، لأنه يعتبر الأمير بن سلمان، ودولته، العدو الأول لبلاده، ولا يريد أن يراه في السلطة لـ50 عاما قادمة، لذلك سيصر على إبقاء القضية حية، والمضي قدما فيها حتى إسقاط ولي العهد السعودي.
الثانية: تؤكد أن الرئيس اردوغان زعيم “براغماتي” بارع في عقد الصفقات، وبما يفيد بلاده، وأنه ربما يستغل هذه الجريمة لتحقيق أكبر مكاسب سياسية واقتصادية لبلادة، ويضربون مثلا بصفقته مع الرئيس ترامب الأخير وعنوانها الإفراج عن القس برونسون، وقبلها صفقته مع الرئيس فلاديمير بوتين لإنهاء أزمة إسقاط الطائرة الروسية سوخوي قرب الحدود السورية التركية قبل عامين.
***
من الصعب استبعاد أي من النظريتين، وأن كنا نميل إلى الأولى الأكثر ترجيحا في نظر الكثيرين، ونحن من بينهم، فعلاقات الرئيس أردوغان مع المملكة العربية السعودية لم تكن جيدة في أي يوم من الأيام، وكانت تنافسية بين مرجعيتين سنيتين، مرجعية مكة المكرمة، ومرجعية الآستانة، أو إسطنبول، وتقف الدولتان في خندقين متواجهين في مختلف القضايا، ورغم اتفاقهما حول الملف السوري طوال الأزمة، كان باردا وفي إطار الحد الأدنى من التنسيق.
الدائرة تضيق حول المملكة العربية السعودية، وعنق ولي عهدها الأمير بن سلمان، وربما تبلغ ذروتها بعد خطاب أردوغان الثلاثاء، وأن كنا نعتقد بأنه لن يسدل ستار النهاية في هذه الأزمة التي شغلت العالم، بل بداية لمرحلة جديدة ومختلفة وأكثر إثارة في هذا المسلسل التراجيدي الطويل وغير الممل بحثا عن نهاية تنتصر فيها العدالتان الإلهية والوضعية معا.
سننتظر خطاب أردوغان الأهم في تاريخه السياسي، ومعنا العالم بأسره، ولا نستبعد أو نستغرب الكثير المفاجآت، والأمر المؤكد أن لا تسريبات بعده، وإنما خطوات عملية على الأرض، ونصب مشانق الخنق السياسي، أو “مناشير”، نترك لكم الاختيار.. ولن يطول انتظارنا في جميع الأحوال.. ونحن نجتهد هنا، وسنظفر بأجر المجتهدين على الأقل.. والله أعلم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/10/22