هل اقتَرَبَت صِيغَة مَجلِس التَّعاون الأصليّة مِن نِهايَتها المَحتَومة؟ وهَل ستَنسَحِب قطر مِنه قبل انْعِقاد القِمّة الأربَعين في الإمارات..؟
عبد الباري عطوان
بعد تَجميدِ دور الجامعة العربيّة، وتَحويلِها إلى أطلالٍ تُعيد التَّذكير بماضٍ عَربيٍّ سَحيق، ها هِي الانقِسامات والخِلافات الخليجيّة تُوجِّه ضَربةً قاتِلةً إلى مجلس التّعاون الخليجيّ ورُبّما تَدفَعه إلى المَصيرِ نفسَه، إنْ لم يَكُن أكثَر سُوءًا.
بَحَثنا في ثَنايا القِمّة الخليجيّة التي اختتَمت أعمالها في الرياض اليوم بعد ساعاتٍ مَعدودةٍ عَن أي تَطوُّرٍ جَديدٍ يَستَحِق الكتابة، والتَّعليق، فلم نَجِد إلا كُل ما هُوَ تِكرار مُمِل لعِباراتٍ ورَدَت في بياناتٍ سابقةٍ، باستِثناء أمْرَين رئيسيّين:
ـ الأوّل: دعوة الشيخ صباح الأحمد، أمير دولة الكويت، إلى وَقفِ الحَملات الإعلاميّة التي لَعِبَت دورًا كبيرًا في تَسميم الأجواء الخليجيّة، وبَذْر بُذور الفِتْنَة.
ـ الثّاني: غِياب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، وتَعمّده إرسال السيد سلطان المريخي، وزير الدولة للشؤون الخارجيّة، لرئاسة وفد بلاده، في إهانةٍ مُتَعمَّدةٍ للقمّة، والدولة المُضيفة، أي المملكة العربيّة السعوديّة، ولعلّه أدرَك أنّه غيرُ مُرحَّبٍ بِه ورُبّما سيَتعرَّض للإهانَة، بشَكلٍ أو بآخِر، فقَرَّر المُقاطَعة.
***
لا نَستبعِد أن يكون هذا المَوقِف القطريّ “شِبْه المُقاطِع” للقِمّة الخليجيّة في الرياض، هو مُقدِّمة لانسحابِ دولة قطر مِن هَذهِ المُنظّمة الإقليميّة التي تباهَت بأنّها الأكثَر انسِجامًا وصلابةً، بالمُقارنة مع كُل التَّجَمُّعات الإقليميّة العربيّة الأُخرَى، طِوال الثَّلاثين عامًا الماضِية، وللأسباب نفسها التي دَفَعتها للانسِحاب مِن منظمة الدول المُصَدِّرة للنفط “أوبِك”، أي هيمَنة المملكة العربيّة السعوديّة والمُقاطَعة، وتَهميش الدَّور القطريّ.
فإذا كانت دولة قطر أرسَلت وزير دولة، وليس حتّى وزير خارجيّتها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عُضو الأُسرة الحاكِمة، لتَمثيلِها في قمّة الرياض هَذهِ وبصُورةٍ مُتَعمَّدة، فإنّنا نَجْزِم مُسْبَقًا بأنّها قد تُرسِل قُنْصلًا، وليس حتّى سفيرًا لتَمثيلها في القِمّة المُقبِلة التي ستُعقَد في مدينة أبوظبي، عاصِمة الإمارات التي ستَستضيف القمّة الأربعين المُقبِلة، بالنَّظر إلى حجم الخِلافات المُتفاقِمة جدًّا بين البَلدين، وتَفوُّق نظيرَتها السعوديّة القطريّة بمَراحِل، هذا إذا بَقِيَت في المَجلِس، أو جرى توجيه دعوة إليها للحُضور.
الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وزير خارجيّة البحرين، قال في حديثٍ لصحيفة “الشرق الأوسط” السعوديّة، نشرته قبل يومين من انْعِقاد القِمّة، “إنّ قطر أحرَقت جميع سُفُن العَودة إلى مجلس التعاون، وإنّ الخِلاف لن يُحَل بـ”حُبْ الخُشوم”، فلا بُد مِن اتِّفاقٍ جَديدٍ ونظام جديد ووضع الدوحة تحت المِجهَر”، وأكّد “أنّ التّمثيل القطري في القِمّة لا يَهُمنا، وجوده من عدمه سيّان”، وهَذهِ رسالةٌ واضِحَةٌ إلى أمير قطر تقول له “إنّك غير مُرحَّب بِك في هَذهِ القمّة”، ويبدو أنّه فَهِم الرِّسالة مُبْكِرًا وقرَّر الرَّد بتَخفيضِ مُستَوى التَّمثيل وإيفادِ وزير دَولة للشُّؤون الخارجيّة.
اللَّافِت أيْضًا، وفي السِّياق نفسه أنّ الزميل عبد الرحمن الراشد كتَبَ مقالًا في الصَّحيفة نفسها التي كان يرأس تحريرها قبل عشر سنوات تقريبًا، تحت عُنوان “هل حان إنهاء مجلس التعاون الخليجي؟” أبرَز فيه أنّه لا يَشْعُر بأيّ أسف إذا ما انتهى المجلس إلى غير رجعة بسبب الخِلافات الحاليّة، ورأى أنّ البَديل هُوَ الاتّفاقات الثُّنائيّة، وحَمّل قطر المَسؤوليّة، والأهَم مِن هذا المَقال أنّ الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتيّ رحَّبَ بِه ومَضمونِه في تَغريدةٍ على حِسابِه في “التويتر” ونَشَر رابط له، قبل أن يَحذِفه.
سنُفاجأ كثيرًا إذا ما وجّهت دولة الإمارات الدعوة رسميًّا إلى دولة قطر لحُضور القمّة الخليجيّة الأربعين القادِمَة، اللهم إلا إذا حدَثَت مُعجِزة وجرى التَّوصُّل إلى حَلٍّ للأزمة للخليجيّة الحاليّة، ونَحنُ لسنا في زَمنِ المُعْجِزات، والطَّلاق باتَ بائِنًا فيما يبدو كما أنّنا سَنُفاجَأ أكثَر، إذا ما ظَلَّت دولة قطر عُضوًا في المجلس حتى انْعِقاد هَذهِ القِمّة.
الشيخ صباح الأحمد الذي تَزعَّم الدبلوماسيّة الكُويتيّة لأكثَر مِن 45 عامًا تَقريبًا قبل أن يُصبِح رَئيسًا للوزراء، ثُمَّ أميرًا لبِلاده، أصاب كَبِدَ الحَقيقة، مِثلَما يقول أهل البَلاغة، عِندما طالب بوقف الحَمَلات الإعلاميّة بين قطر ومُقاطِعيها لأنّها، أي الحَمَلات الإعلاميّة، “زرَعَت بُذور الفِتنَة والشَّقاق في صُفوف أبنائِنا ليَكون هذا الوَقت مُقدِّمة لتَهيِئَة الأجواء لحَلِّ الخِلاف بَيْنَنَا”.
***
كَلام الشيخ صباح ينطَوِي على الكَثير مِن الحِكْمَة والرُّؤية الصَّائِبَة، ولكنّنا لا نَعتقِد أنّه سيَجِد أيّ استجابة، فالحَرب الإعلاميّة سواء على وسائِل الإعلام التّقليديّة، أو وسائِل التواصل الاجتماعي، تَعيش أشْرَس أيامها، وتجاوزت كُل الخُطوط الحَمراء، وبَدأت تنْحَرِف إلى الخَوض في الأعراض، وهو أمر كانَ يُعتَبر خطيئةً كُبْرى في دول الخَليج، وخُروجًا عَن قِيَم أهْلِها وأخلاقيّاتهم، والأخطَر مِن ذلِك أنّها لم تَبْذُر الشَّقاق بينَ الأُخْوَة في الخليج فقط، وإنّما بينَهم وبين أكثَر مِن 300 مِليون عربيّ وللأسبابِ نَفسِها، مُضافًا إلى انْحِيازِ البَعض للعُدوان الإسرائيليّ، والمُجاهَرةِ بِه بطَريقةٍ مُتَحَدِّيَةٍ.
الأزَمَة السوريّة أنْهَت الجامِعة العربيّة ودَورِها، والأزَمَة الخليجيّة الحاليّة قد تُنهِي مجلس التعاون الخليجي، إن لم تَكُن قد أنهته فِعْلًا، وكُل ما ورد في البَيان الخِتاميّ لقِمّة الرياض الأخيرة عَن تعزيز الرَّغبةِ في الحِفاظ على صَلابَة هَذهِ المُنظّمة الإقليميّة التي كانَت مَوضِع احترام العَرب الآخرين، لا يَخْرُج عَن كَونِه مُجرَّد تَمَنِّيات ونَسْخ لبَيانات وأدبيّات قِمَم سابِقَة بشَكلٍ آليّ، مِن قِبَل لَجنةِ الصِّياغة.
نَأسَفْ لهَذهِ النِّهاية التي تَعكِس وضْعًا عربيًّا مُهَلْهَلًا، اعتَقدنا مُخطِئين أنّ الأشِقّاء في مِنْطَقة الخَليج “مُحَصَّنُونَ” مِن عَواصِفِه.. واللهُ أعْلَم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/12/10