قرار واشنطن بالانسحاب من سورية...التوقيت والخلفيات والدلالات
حسن حردان
مفاجأة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل نهاية العام، كانت في الإعلان عن قرار بسحب القوات الأميركية من سورية في غضون مائة يوم… على أنّ هذا القرار الذي لم يكن يتوقعه حلفاء وأعوان أميركا والتابعون لها، طرح التساؤلات حول أسباب توقيته وخلفياته ودلالاته..
لقد شكل القرار صدمة وصفعة لكلّ المراهنين على بقاء القوات الأميركية في احتلال أجزاء من الأرض السورية بغية تحقيق مخططاتهم وطموحاتهم التي فشلوا في بلوغها على مدى أكثر من سبع سنوات ونصف السنة من عمر الحرب الإرهابية الاستعمارية الكونية على سورية، التي قادتها الولايات المتحدة بغية إسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة والمستقلة برئاسة الرئيس بشار الأسد، وتحويل سورية إلى بلد عميل وتابع للدول الغربية الاستعمارية وليكون جزءاً من محور دول التعاون الخليجي معاد للمقاومة ويسير في مشروع تصفية القضية الفلسطينية لمصلحة كيان العدو الصهيوني.. فالقرار جاء في وقت كانت واشنطن تصدر إشارات معاكسة على صعيد التمسك بالبقاء ودعم قوات «قسد» الكردية وعدم التخلي عنها وتمكينها من تحقيق طموحاتها بإقامة كيان كردي يتمتع بالحكم الذاتي المستقلّ عن الدولة السورية، وفرض حلّ سياسي في سورية يلبّي مطالب حلفائها..
غير أنّ توقيت هذا القرار من زاوية صانع القرار الأميركي إنما يندرج كما هو واضح في سياق التسليم بالهزيمة والفشل في تحقيق الأهداف الأميركية المذكورة آنفا، وهو لا يترك مجالاً للتأويل أو الاجتهاد في كون واشنطن أرادت أخذ قرار الانسحاب في هذا التوقيت للخروج من سورية بأقلّ الخسائر وحفظ ماء الوجه تحت حجة وزعم أنّ القوات الأميركية أنجزت مهمتها في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي وحان موعد عودتها إلى الولايات المتحدة، كما قال الرئيس الأميركي في حيثيات قراره.. لكن هذه الحجة الزائفة والمخادعة هدفها التعمية على حقيقة هروب القوات الأميركية من مخاطر مواجهة مقاومة شعبية مسلحة، بدأت عملياتها في التصاعد في شمال وشرق سورية، وفي حال أصرّت القوات الأميركية على إبقاء احتلالها لقسم من الأرض السورية، بغية مقايضة انسحابها بانسحاب الخبراء الإيرانيين ومقاتلي حزب الله من سورية وتحقيق تسوية تلبّي بعض الاشتراطات الأميركية، فإنها ستواجه اشتداداً في المقاومة الشعبية المسلحة مما يعرّض الجنود الأميركيين لحرب استنزاف تضع واشنطن أمام خيارين أحلاهما مرّ… الخروج المذلّ من سورية خوفاً وهرباً من الانزلاق والغرق في حرب استنزاف لا تريدها وغير قادرة على تحمّل أكلافها، أو التورّط في خوض حرب جديدة عبر إرسال المزيد من القوات لحماية وتعزيز القوات الموجودة واتساع دائرة المواجهة إلى حرب كبرى مع محور المقاومة تتجاوز تكاليفها حرب العراق، وستكون لها تداعيات سلبية خطيرة على المصالح الأميركية في الوطن العربي وعلى كيان الاحتلال الصهيوني في آن معاً.. في حين انّ أولوية الرئيس الأميركي ترامب هي معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تفجرت عام 2008 بفعل حرب الاستنزاف التي تعرّض لها جيش الاحتلال الأميركي والتكاليف المادية الهائلة للحرب والتي ناهزت الـ 6 تريليون دولار حسب اعترافات ترامب، والخبير الاقتصادي الأميركي جوزيف ستيغلييز.. كما أنّ الولايات المتحدة لا تريد الاصطدام مع حليفها التركي الاستراتيجي الذي قرّر شنّ هجوم عسكري على قوات «قسد» في شرق الفرات.. هذه العوامل التي تفسّر خلفيات مسارعة ترامب إلى اتخاذ قرار الانسحاب.. وهو أعطى مائة يوم لحلفاء وأعوان أميركا لترتيب أوضاعهم قبل أن تنهي القوات الأميركية انسحابها.. ولهذا اعتبرت قيادة قوات «قسد» أنّ القرار الأميركي يشكل خيانة وطعنة لها، في حين رأت فيه وسائل الإعلام الصهيونية «إخلاء الميدان لروسيا وإيران، وهو بشرى سيئة بالنسبة للمعركة «الإسرائيلية»، و» أنّ الولايات المتحدة وهي تغادر سورية تأخذ معها ورقة المساومة الوحيدة لإخراج الإيرانيين من سورية…»
الواضح أنّ الأحزاب الكردية والجماعات التابعة لأميركا، التي راهنت على استمرار الدعم الأميركي، لم تقرأ جيداً دروس الماضي في طريقة تعامل أميركا مع أعوانها والتابعين لها كيف كانت تخذلهم وتتخلى عنهم، فهي ليست مستعدة لأن تقاتل من أجلهم ولا تتوانى عن طعنهم في الظهر.. على أنّ الأكراد الذين ذهبوا بعيداً في الرهان على المستعمر الأميركي لم يتمعّنوا جيداً في كلام السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد الذي قال في حديث لجريدة «الشرق الأوسط» في 19 حزيران 2017: «انّ الأكراد سيدفعون غالياً ثمن ثقتهم بالأميركيين، وإنّ الجيش الأميركي يستخدمهم فقط لقتال داعش ولن يستعمل القوة للدفاع عنهم ضدّ الجيش السوري أو إيران وتركيا»، وأضاف فورد قائلاً: «ما نفعله مع الأكراد غير أخلاقي وخطأ سياسي…»
أمام هذا الواقع وما يعكسه من دلالات على الأكراد الذين وثقوا بالمستعمر الأميركي وقبلوا بأن يكونوا أداة في خدمته أن يسارعوا إلى الاستفادة من الفرصة الأخيرة المتاحة لهم من قبل الدولة الوطنية السورية بأن يعودوا إلى كنفها ويدخلوا في التسوية التي تحفظ وحدة الشعب العربي السوري والأرض السورية، ويقطعوا الطريق على قيام أردوغان بعملية عسكرية تحت ذريعة حماية الأمن القومي التركي.. ويتجنّبوا عملية عسكرية للجيش العربي السوري لاستعادة المناطق التي يسيطرون عليها.. لقد انتهت اللعبة كما قال فورد، وانتصر الرئيس بشار الأسد…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/12/22