دلالات دخول الجيش السوري منبج وسدّ تشرين.. وسقوط مخططات أردوغان
حسن حردان
في تطوّر لافت في أهميته ودلالاته دخل الجيش السوري إلى مدينة منبج وضواحيها وبعد ذلك تسلم السيطرة على سدّ تشرين الحيوي والاستراتيجي.. الأمر الذي فاجأ وأربك خطط الرئيس التركي رجب أردوغان وقطع الطريق على عمليته العسكرية التي كان حضّر لها، وهذا ما دفعه إلى وصف الدخول السوري إلى منبج بالعملية النفسية التي يشنها الجيش السوري.. لكن الرئيس التركي كان يعبّر بذلك عن تمنياته ويحاول أن لا يصدّق ما حصل، ما يؤشر إلى حالة التخبّط التي باتت تسيطر عليه والتي تعكس سقوط رهانه على استباق دخول الجيش السوري بشنّ عمليته العسكرية للسيطرة على المناطق التي تسيطر عليها قوات «قسد» الكردية.. غير أنّ إعلان البيان العسكري السوري عن دخول منبج ورفع العلم السوري أنهى هذا الحلم الأردوغاني، وهو مؤشر قوي على أمرين مهمين:
الأمر الأول: التوصل إلى اتفاق سريع بين الدولة الوطنية السورية وقيادة «قسد» يقضي بعودة سيطرة الدولة السورية على المناطق الشمالية والشرقية يجنّبها هجوماً وشيكاً للجيش التركي.
الأمر الثاني: إنّ الإعلان الأميركي عن الانسحاب من سورية وبدء هذا الانسحاب أقنع قيادة «قسد»، التي كانت تراهن على دعم واشنطن لتحقيق طموحها في إقامة كونفدرالية في المنطقة، أقنعها بأنه لم يعد أمامها من خيار سوى العودة إلى حضن الدولة الوطنية السورية، لأنّ الاستمرار في معاندة هذه الحقيقة سيضعها في مواجهة مباشرة مع الجيش التركي وبالتالي ستفقد حماية الدولة السورية، أو أنها ستواجه هجوماً عسكرياً للجيش السوري، وبهذا المعنى تفقد «قسد» الفرصة الأخيرة المتبقية أمامها للدخول في التسوية التي تعرضها عليهم القيادة السورية، تحفظ ماء وجهها..
من هنا فإنّ دخول الجيش السوري إلى منبج يدشن مسار العودة السريعة لسيطرة الدولة السورية على شمال وشرق البلاد، وينهي إلى غير رجعة المشروع الأميركي في هذه المنطقة الهامة من سورية.. كما يضع نهاية للذريعة التركية لتبرير التدخل في سورية واستمرار احتلال أجزاء من الأرض السورية بحجة منع قيام كيان كردي يهدّد الأمن القومي التركي، وبالتالي يقضي على خطط أردوغان لمحاولة انتزاع تنازلات من القيادة السورية تقضي بإدخال الجماعات الموالية لأنقرة، وعلى الأخصّ الإخوان المسلمين، في تركيبة الدولة السورية.. وهو ما كانت تطرحه تركيا منذ السنة الأولى لبدء الحرب..
لهذا فإنّ عملية دخول الجيش السوري إلى منبج والاتفاق مع قوات «قسد» قطع الطريق على خطط أردوغان ووجه صفعة قوية لأحلامه، تضاف إلى الصفعة التي تعرّض لها في أعقاب تحرير الأحياء الشرقية من مدينة حلب وسقوط مشروعه لسلخ الشمال السوري كله عن الدولة السورية في سياق محاولة بعث السلطنة العثمانية الغابرة..
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول بأنّ الخطر الذي يتهدّد سورية والأكراد كان عاملاً أساسياً، في إقناع «قسد» بالعودة إلى حضن الدولة السورية، وانّ الأكراد قد استفادوا من خطأ عفرين وأدركوا خطر المناورة مجدّداً، وانّ الأميركي لا يؤمن جانبه وقد غدر بهم وطعنهم في الظهر لأنهم لم يأخذوا على محمل الجدّ تصريحات السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد بأنّ عليهم ألا يثقوا بالأميركيين.. وما حصل إنما يشكل درساً جديداً قديماً لكلّ من راهن على المستعمر الأميركي ومن يفكر بالرهان عليه في المستقبل.. وبالتالي فإنّ تضافر الجهود في مواجهة المخططات الاستعمارية الأميركية أو التركية أو الصهيونية هو السبيل لحماية وحدة سورية أرضاً وشعباً..
خلاصة الأمر ليس أمام تركيا أردوغان سوى التسليم بعودة سلطة الدولة السورية على كامل المناطق الشمالية الشرقية، وبالتالي التخلي عن أطماعها ومخططاتها الاستعمارية في سورية، والاعتراف بانتصار الرئيس بشار الأسد ، لأنّ التورّط في مواجهة مع الجيش السوري لن تكون نتيجته لمصلحة تركيا، فهو سيؤدي إلى تورّطها في حرب لا شعبية لها في تركيا، ولا تحظى بأيّ دعم وتأييد عربي او دولي، لأنها تشكل اعتداء على سيادة واستقلال سورية.. إلى جانب أنّ مثل هذه الحرب سوف تؤدّي إلى انزلاق تركيا إلى حرب استنزاف كبيرة نتيجة المقاومة الشعبية المسلحة التي ستواجهها بمساندة من الجيش السوري، في ظلّ فقدان القوات التركية المحتلة الغطاء الجوي بفعل امتلاك الجيش السوري منظومة صواريخ «أس 300» التي تمّ نشرها في المنطقة.. ما يعني أنّ الجيش التركي سيكون قد غرق في مواجهة مقاومة مسلحة لا قدرة له على الصمود طويلاً أمامها، وستؤدي إلى تكبّده خسائر جسيمة، في حين أنّ الاعتداء على سورية قد يؤدّي أيضاً إلى تعرّض الداخل التركي إلى قصف صاروخي سوري.. لكلّ هذه الاعتبارات فإنّ احتمالات تورّط تركيا في حرب من هذا النوع مستبعدة.. غير أنه لا يجب استبعاد أن تزجّ أنقرة بالجماعات الإرهابية التابعة لها في مواجهة مع الجيش السوري وقوات «قسد» التي انضوت، بموجب الاتفاق مع الدولة السورية، تحت لواء الجيش السوري.. لكن مثل هذه المواجهة سوف تنتهي بالقضاء على هذه الجماعات الإرهابية أو هروبها إلى المناطق التي يتواجد فيها الجيش التركي..
لهذا لن يكون أمام تركيا.. إذا كانت تريد تجنب المزيد من المضاعفات السلبية مع سورية وحلفائها.. سوى تطبيق اتفاق أستانا، وبالتالي التعاون الكامل لإنهاء وجود الجماعات الإرهابية على الأرض السورية، والتسليم باستقلال وسيادة سورية وحق شعبها في تقرير شكل دستور بلاده ومن يكون رئيساً له عبر صناديق الاقتراع بعيداً عن أيّ تدخل أو وصاية خارجية، لا سيما أنّ السنوات السابقة من عمر الحرب الإرهابية الكونية على سورية قد فشلت في إخضاع سورية قيادة وجيشاً وشعباً، وفشلت في فرض الإملاءات عليها…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/12/31