تحذير الفريق قايد صالح الرّجل القويّ في الجيش الجزائريّ ربّما يُؤشِّر لاقتِراب الخِيار “الثّالث” في البِلاد..
عبد الباري عطوان
التطوّر الأبرز في المشهد الجزائريّ الذي يُمكِن أن يُؤشّر وبشكلٍ دقيقٍ إلى مُستقبل البِلاد، يتمثّل في التّصريحات التي أدلى بها الفريق قايد صالح، رئيس الأركان الجزائري ووجّه فيها رسالة “تحذير” بالغة الأهميّة، أبرز مُفرداتها “أنّ الجيش سيعرف كيف سيكون في مُستوى المسؤوليّة المُطالب بها في كافّة الظّروف”.
هذه الرسالة من حيث توقيتها، ومجيئها في ذروة غليان الشارع الجزائريّ، ونُزول الملايين إلى الشّوارع للمُطالبة بعدم ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولايةٍ خامسة، ورحيل النّظام برمّته، تضاربت حول تفسيرها الآراء:
الأوّل: يقول إنّها تهديدٌ بالتصدّي لأيّ مُحاولةٍ تقود البِلاد إلى حالةٍ من الفوضى، وسُقوط الدّولة في أيدي “المُتشدّدين”، وعدم تِكرار “عشريّة سوداء” أُخرى، مع تزايُد الإشارات لوجود أصابع خارجيّة بدأت تتسلّل إلى الاحتجاجات وتُحاول اختراقها، لبَذر بُذور الفِتنة.
الثاني: يرى أن الجيش يجب أن يكون إلى جانب الشّعب ومطالبه، وهذه التّصريحات قد تعكِس نيّة المؤسّسة العسكريّة للتدخّل ضِد النّخبة الحاكمة من وراء سِتار، وتحسم الأمر لصالح فترة انتقاليّة تشهد انتخابات رئاسيّة وبرلمانيّة نزيهة وشفّافة، ويقول أصحاب هذا الرأي إنّ الجيش تدخّل عدّة مرّات لتغيير الرؤساء الأُولى عام 1965 عندما أطاح بالرئيس أحمد بن بلا تحت عُنوان التّصحيح الثوريّ، والثانية بعد وفاة الرئيس هواري بومدين وحسم الصّراع بين محمد صالح يحياوي، رئيس الحزب الحاكم آنذاك، وعبد العزيز بوتفليقة، وزير الخارجيّة باللّجوء إلى خِيار ثالثٍ يُمثّل بالشاذلي بن جديد كحلٍّ وسط، والثّالثة عام 1992 عندما جاء بالرئيس محمد بوضياف بعد إلغاء الانتخابات التي كانت على وشك حسمها لصالح فوز جبهة الإنقاذ الإسلاميّة، والرابعة عندما جاء بالسيد بوتفليقة رئيسًا عام 1999.
***
تنقسم الآراء بين هذين التّفسيرين لتصريحات الرجل القويّ في المؤسسة العسكريّة الجزائريّة التي يعتقِد الكثيرون داخل الجزائر أنّها حمت الدولة وحالت دون انهيارها في أصعب الظّروف، وحافظ على وِحدتها الوطنيّة.
من الواضح أن التعهّدات الستّة التي قدّمها الرئيس بوتفليقة، أو جرى تقديمها باسمه، وتضمّنت إجراء انتخابات رئاسيّة مُبكرة بُدون خوضه لها، والدّعوة إلى مؤتمر وطني للحوار يؤدي إلى وضع دستور جديد، وتنصيب لجنة انتخابات جديدة مُستقلة، كلها لم تنجح في تهدئة الشارع الجزائري، ممّا يعني أنّ الأزَمة ستَظل قائمة، وربّما تُصبح أكثر حدّة وشراسة.
المحتجون الجزائريّون فاض كيلهم في ظِل تدهور أوضاع البلاد، واستِفحال الفساد، وهم يُمثّلون نسبةً كبيرةً من الشعب الجزائريُ، وباتوا يميلون إلى تغيير الرئيس والنظام معًا.
المعادلة الحاليّة في الجزائر: مجموعة حاكمة “تتستّر” خلف صورة الرئيس، وتستخدمها كواجهة، وتعتبر استمرار الوضع الحالي هو الخِيار الأسلم للحِفاظ على الاستقرار في حُدوده الدنيا، وشعب غاضب نزل إلى الشّوارع في مُظاهرات سلميّة حضاريّة يطرح مطالب مشروعة في التّغيير، ولكنّه بدون قيادة تُمثّله وتتحدّث باسمه حتّى الآن.
السؤال هو: حتى متى تستمر الأوضاع على هذا المنوال في حال تمسّك كل طرف بمواقِفه ويرفض التّنازل عن مطالبه التي يعتقد أنّها مشروعة؟
سُؤالٌ آخرٌ لا بُد من طرحه وهو: هل تصريحات الفريق أحمد قايد صالح المذكورة آنفًا تُوحي بأنّ الخِيار الثالث قد اقترب، أيّ استيلاء المؤسسة العسكريّة، الحاكم الفِعلي للبلاد، على السلطة، وإنهاء الحُكم المدني وبعض جوانبه الديمقراطيّة حتى لو كانت في حُدودها الدنيا؟
***
لا نملك إجابةً عن هذه التّساؤلات، ولكن الأمر المُؤكّد أنّه لا يُريد أحد في الجزائر، سواء كان معسكر الاحتجاج السلميّ الحضاريّ، أو في المجموعة الحاكمة، أو في المؤسسة العسكريّة بالطّبع، استِفحال الفوضى، وزعزعة استقرار البِلاد.
الأمر يتطلّب تدخّل الحُكماء والراشدين، والجزائر الولاّدة حافِلةٌ بهم، ونأمل في هذه الصحيفة “رأي اليوم” المحبّة للجزائر، كُل الجزائر، بألوانه السياسيّة والجغرافيّة والديمغرافيّة والعرقيّة كافّةً، ودون أيّ تفرقة، أو انحياز، أن نرى هذا البلد الذي تجمع عليه، وسلامته، ووحدته الوطنيّة، كُل العرب والمُسلمين، تجاوزًا سلميًّا لهذه الأزَمة في أسرعِ وقتٍ مُمكنٍ.
نعترف أنّها خاتمة “عاطفيّة” لوضعٍ مُتفجِّرٍ، وهذا لا يُضيرنا إذا كُنّا لسنا مُحايدين عندما يتعلّق بأمن وسلامة واستقرار بلد قدّم الكثير لأُمّته، بشقّيها العربيّ والإسلاميّ، ومُحيطه الأفريقيّ.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/06