من الذي يتحرق شوقا لاختيار أمين عام جديد للجامعة العربية سواء أبو الغيط أو غيره..
عبد الباري عطوان
فمن شرّع تدخل “الناتو” في ليبيا.. وجمد عضوية سورية.. وبارك احتلال العراق وحصاره لا يمثل العرب أو الشرفاء منهم.. وليت موريتانيا تحذو حذو المغرب وترفض استضافة القمة.
بغض النظر عن انتخاب السيد أحمد أبو الغيط المرشح المصري الوحيد لتولي منصب أمين عام الجامعة العربية أو غيره، فأن العمل العربي المشترك، وكل مؤسساته بات في النزع الآخير، والجامعة العربية أحد أبرز رموزه باتت أحد أدوات التقسيم الطائفي، والتفتيت الجغرافي والديمغرافي للأمة العربية، وأداة طيعة لتنفيذ المخططات الأمريكية و”العربية” للأسف.
السيد أبو الغيظ آخر وزير في عهد الرئيس حسني مبارك، دخل تاريخ “الدبلوماسية” عندما توعد بكسر أيدي وأرجل كل فلسطيني من أبناء قطاع غزة المحاصرين المجوعين، يدخل الأراضي المصرية بحثا عن علبة حليب يشتريها لإرضاع أطفاله، من عرق جبينه، ولا نفهم لماذا تتمسك به الحكومة المصرية كمرشح وحيد لها لهذا المنصب؟
***
سجل الجامعة العربية في العقود الثلاثة الماضية كان حافلا بالنقاط السوداء، فقد “شرّعت” التدخل العسكري الأمريكي عام 1990 الذي أدى إلى تدمير العراق، وقتل المليون من أطفاله جوعا، تحت حصار ظالم انتهى باحتلال هذا البلد العربي، وتمزيقه إلى كانتونات طائفية وعرقية، وحل جيشه ومؤسساته، واغتيال معظم علمائه، وشنق رئيسه يوم عيد الأضحى المبارك.
نستغرب موقف أولئك الذين يطالبون “بتدوير” منصب الأمين العام بين الدول العربية، وعدم اقتصاره أو حصره في المرشحين المصريين فقط، تحت ذريعة أن مصر دولة مقر، أنه “تدوير” للفشل والتآمر وترسيخ قيم العبودية والاستسلام لأمريكا وحليفتها إسرائيل، ومباركة الاحتلال للمقدسات وجرائم الحرب التي ترتكب ضد المحاصرين المجوعين في غزة.
وإذا كان الأمين العام السابق للجامعة السيد عمرو موسى بارك تدخل حلف الناتو العسكري في ليبيا وتحويلها إلى دولة فاشلة تسودها الفوضى الدموية، فأن أمين عامها الحالي السيد نبيل العربي سيدخل التاريخ من الباب نفسه، عندما طالب بتدخل أمريكي عسكري مماثل في سورية، وجمد عضويتها في الجامعة، وهي الدولة المؤسسة، وأعطى مقعدها للمعارضة المسلحة بدعم خليجي، وهو ما لم تفعله الأمم المتحدة، وعندما أراد إصلاح هذا الخطأ متأخرا في صحوة ضمير نادرة، ورحب بلقاء السيد وليد المعلم وزير خارجيتها في أي مكان يختاره، تراجع عن هذا الموقف استجابة لاملاءات من عاصمة خليجية بعد اقل من 24 ساعة.
انتخاب السيد أبو الغيط، أو أي مرشح مصري آخر، لن يغير من هذا الواقع الاليم والمخجل، بل ربما يزيد من سرعة التدهور الحالي في المجالات كافة، لأن هذا المنصب فقد هيبته وأهميته، لأن المؤسسة الحاضنة له، فقدت أهميتها مثلما فقدت هيبتها، وكان السيد العربي في قمة الحكمة والتعقل وبعد النظر، عندما قرر التقاعد لانقاذ ما تبقى له من سمعة وكرامة إنسانية وشخصية، والانتقال إلى عالم النسيان، تكفيرا عن أخطاء كارثية ارتكبها وجامعته في السنوات الخمس الماضية، عمر ولايته.
لقد أحسنت السلطات المغربية صنعا عندما رفضت عقد القمة العربية على أراضيها، وستكون نظيرتها الموريتانية أبعد نظرا، وأكثر احتراما لنفسها، إذا ما فعلت الشيء نفسه، وتخلت عن هذه المهمة غير المشرفة، المربكة، لها ولأهلها العروبيين الوطنيين. ماذا ستفعل القمة العربية المقبلة في دورة انعقادها. الصاق تهمة “الإرهاب” بثقافة المقاومة ورجالاتها، مثلما فعل اجتماع وزراء الداخلية العرب الآخير في تونس؟ أم توفير المنبر للسيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي للتهديد بتغيير هذا الرئيس العربي، أو ذاك، سلما أو حربا، وكأنه تشرتشل، أو الجنرال مونتغمري، قائد جيوش الحلفاء الذي اطاح بالنازية في الحرب العالمية الثانية؟
***
مؤتمرات القمة السابقة، وآخرها قمة شرم الشيخ في آذار (مارس) الماضي اقتصرت على الجلسة الافتتاحية فقط، وبعدها، بل وقبل انتهائها، غادر المشاركون القاعة إلى المطار، ومنها الى عواصمهم، فاي قمم هذه، فأي زعماء هؤلاء؟ وايادي معظمهم ملطخة بدماء الأبرياء سواء بالمشاركة أو الصمت.
رحم الله القمم العربية التي كان محورها دعم المقاومة للاحتلال الإسرائيلي، وانتفاضات الشعب الفلسطيني، إصدار اللاءات لكل أنواع الذل والاستسلام والتطبيع تحت مسميات الصلح مع الأعداء، وكان زعماؤها رجالا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
أتحدى أن نجد كلمة “عدو” في إشارة إلى إسرائيل في أي من بيانات القمم العربية الاخيرة، أو حتى اجتماعات وزراء خارجيتها؟ أو أي كلمة دعم واحدة لانتفاضة الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال بكل الوسائل المشروعة، وإنهاء الحصار الظالم عن قطاع غزة، وقبلها في العراق.
في ظل هذا الوضع البائس ليس مهما من يتم انتخابه أمنيا عاما لجامعة ليس لها من اسمها نصيب.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/03/11