بعد تصاعد حدة التفجيرات الإرهابية في اسطنبول وأنقرة.. أيهما أكثر خطورة.. مأزق الأسد أم خصمه أردوغان؟
عبد الباري عطوان
في كل مرة نكتب فيها عن دخول الأزمة السورية عاما جديدا، نبحث عن تطورات جديدة في المشهد السوري سياسيا وعسكريا، على أمل تقديم زاوية مختلفة للقارىء الذي بات يشعر بحالة الملل من جراء التكرار، ولكن هذه المرة يبدو الوضع مختلفا، أو هكذا نعتقد.
لا نتحدث هنا عن النقطة المحورية التي كانت، وربما ستظل، أحد أبرز أعمدة هذا المشهد، وهي تلك المتعلقة بمستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، وبقائه من عدمه، وإنما عن خصومه الذين توقعوا رحيله في الأشهر الأولى، وما أكثرهم في تلك الأيام، والجار التركي على وجه الخصوص، الذي لعب الدور الأبرز في هذه الأزمة على مدى السنوات الخمس الماضية، سواء من خلال نسج التحالفات الإقليمية والدولية للإطاحة بالرئيس السوري، أو بتبني المعارضة السورية المسلحة، وتقديم، أو بالأحرى، تسهيل مرور المال والسلاح والمتطوعين إليها للتسريع بهذه المهمة.
***
لم نكن نتصور، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، أن نفتح أعيننا في يوم من الأيام على تفجيرات إرهابية في قلب العاصمتين التركيتين، “الرسمية” أنقرة، والتجارية “التاريخية” اسطنبول، وتصبح الأزمة التركية لا تقل خطورة على نظيرتها السورية، رغم تسليمنا أنها ما زالت في بداياتها، واختلاف الظروف بين البلدين.
الهجوم الذي نفذه انتحاري في قلب شارع الاستقلال، أشهر شوارع التسوق في اسطنبول بحزام ناسف يوم (السبت) كان الرابع من نوعه منذ بداية العام، مما يرفع عدد الضحايا إلى 80 شخصا، والجرحى إلى أكثر من 300 جريح.
وزير الداخلية التركية السيد افكان آلا قال الأحد إن منفذ هذا الهجوم يدعى محمد اوزترك المولود عام 1992 في منطقة غازي عنتاب المحاذية لمدينة حلب في الجانب التركي، وتبين انه عضو في “الدولة الإسلامية”، وهو مطلوب للأمن، أي أنه ليس كرديا أو سوريا.
ما يميز هذا الهجوم عن كل الهجمات السابقة المماثلة، أن ضحاياه هذه المرة ثلاثة قتلى إسرائيليين، وعشرة جرحى آخرين، معظمهم من الإسرائيليين أيضا، الأمر الذي أربك حكومة بنيامين نتنياهو ودفعها إلى إصدار تحذير قوي للإسرائيليين بعدم زيارة تركيا.
التفجيرات السابقة، خاصة ذلك الذي وقع في منطقة مسجد السلطان أحمد السياحية في اسطنبول استهدفت سياحا المان، وقتل عشرة منهم، تطابقت عملية التنفيذ مع نظيرتها الأحدث في شارع الاستقلال، حسب الرواية الرسمية، مما يعني أن الهدف الأبرز منها هو ضرب الموسم السياحي التركي، وبث الرعب في قلوب السياح الأجانب، ويبدو أن هذا الهدف تحقق جزئيا، حيث انخفضت الحجوزات السياحية لموسم الصيف المقبل حوالي 40 بالمئة حتى الآن، ومرشحة للارتفاع، مما يعني خسارة الخزينة التركية حوالي 15 مليار دولار على الأقل (الدخل السياحي التركي السنوي حوالي 36 مليار دولار).
المفاجأة في الانفجار الأخير في شارع الاستقلال أن جميع ضحاياه من الإسرائيليين، باستثناء إيراني سيء الحظ، كان في المنطقة بالصدفة، الأمر الذي أربك الحكومتين التركية والإسرائيلية معا، وطرح العديد من الأسئلة حول ما إذا كان الهجوم يحمل طابعا سياسيا، مثل محاولة تخريب العلاقات التركية الإسرائيلية التي تتطور بسرعة حاليا نحو التطبيع الكامل، إثر محادثات مكثفة بين مفاوضين دبلوماسيين من الجانبين؟
ربما من المبكر التكهن في هذا الاتجاه، لأن المعلومات التي رشحت من الحكومتين الإسرائيلية والتركية ما زالت شحيحة، والتحقيقات في بداياتها، لكن إذا تبين بأن الانتحاري الذي فجر حزامه الناسف في الشارع وسط السياح كان يتعمد قتل إسرائيليين، فان هذا التفجير سيشكل تحولا نوعيا ستترتب عليه معطيات عديدة، لأن استهداف السياح الإسرائيليين كاد أن “ينقرض” في ظل اتفاقات أوسلو، وجنوح السلطة الفلسطينية إلى التنسيق الأمني لحماية الإسرائيليين، مستوطنين كانوا أو جنودا، وحرص حركة “حماس″ على حصر عملياتها الفدائية داخل الأراضي المحتلة، واقتصارها على العسكريين فقط.
توجيه وزير الداخلية التركي أصابع الاتهام إلى “الدولة الإسلامية” بالوقوف خلف التفجير الأخير لا يبدو مقنعا مثل سابقه الذي استهدف منطقة سلطان أحمد، لسبب بسيط وهو أن “الدولة” أو “داعش”، مثلما يفضل البعض تسميتها، لم تعلن مسؤوليتها عن أي تفجير في تركيا، وهي التي لا تتردد في تبني هجمات في مناطق أخرى، وبسرعة، مثلما حدث في مدينة بن قردان التونسية قرب الحدود الليبية قبل عشرة أيام.
وإذا صحت الاتهامات الرسمية التركية بضلوع “الدولة الإسلامية” خلف هجوم اسطنبول الأخير، فأن هذا يعني خرقا لهدنة غير معلنة بين الجانبين، وأن علينا، والسلطات التركية قبلنا، أن تتوقع هجمات أكثر خطورة يمكن أن تستهدف المنتجعات السياحية الشهيرة في الجنوب، حيث الغالبية الساحقة من السياح من دول أوروبا الغربية والشمالية، خاصة بريطانية ودول اسكندنافيه، ويقدر تعدادهم في المجموع 36 مليون سائح سنويا.
توقيت الهجوم حرج ومرعب، ويأتي قبل شهر من افتتاح معرض “اكسبو” الذي تستضيفه تركيا في منتجع انطاليا في جنوبها، وتعول عليه كثيرا لتحريك عجلة اقتصادها المتباطيء، ومن المفارقة ان الحكومة التركية وجهت الدعوة إلى النجمتين العالميتين جنيفر لوبيز ومادونا، والنجم العالمي جستين بيبر من اجل الترويج للسياحة وهدوء الأحوال في نتجعاتها، مصايفها، ومن غير المستغرب أن يؤدي التفجير الأخير إلى تعقيد هذه المهمة.
***
الحكومة التركية تحارب الآن على ثلاث جبهات رئيسية، ودون أن يكون لديها حلفاء يمكن الاعتماد عليهم:
الأول: حزب العمال الكردستاني المدعوم من موسكو ورئيسها بوتين الخصم اللدود لأردوغان، واتهمته الحكومة التركية بالوقوف خلف انفجاري أنقرة الأخيرين اللذين أديا إلى مقتل أكثر من ثلاثين شخصا قبل عدة أسابيع.
الثاني: حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي منعت الحكومة التركية مشاركة ممثلية في مفاوضات جنيف لسورية، ويحظى ويا للمفارقة بدعم أمريكا وروسيا معا.
الثالث: “الدولة الإسلامية” إذا صحت اتهامات وزير الداخلية التركي بأنها تقف خلف التفجيرين في منطقة السلطان أحمد وشارع الاستقلال.
الأعداء الثلاثة من الوزن الثقيل، وعلى درجة عالية من الخطورة، وتنبع هذه الخطورة من كون حزب العمال الكردستاني متغلغل في النسيج الاجتماعي والجغرافي التركي، وله خلايا صاحية ونائمة في العاصمتين التركيتين، علاوة على مدن أخرى، أما حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ووحدات حماية الشعب ذراعه العسكري فهي قريبة من الحدود التركية السورية، أما إذا انتقلنا إلى “الدولة الإسلامية” فأن التقارير الإخبارية تفيد بأن أكثر من ألفين من مقاتليها من الأتراك، وأنها تحظى بتعاطف في أوساط بعض الشباب التركي المتدين.
نتحدث الآن وبمناسبة دخول الأزمة السورية عامها السادس عن مأزق الرئيس أردوغان وحكومته وبلده وتكاثر الأعداء من حوله.. ترى عن أزمة من سنتحدث في بدء دخول هذه الأزمة عامها السابع؟
نترك لكم الإجابة.. ونفتح باب التكهنات.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/03/21