الفيتو الأميركي على الحريري عبر “القوات”.. وانكشاف ورقة نواف سلام المخبّأة
حسن حردان
احتار الكثيرون بشأن الدافع الذي أدّى إلى إقدام الرئيس سعد الحريري على تسمية كل من الوزيرين السابقين محمد الصفدي وبهيج طبارة، وكذلك المهندس سمير الخطيب لتشكيل حكومة تكنوسياسية، ومن ثم التراجع عن ذلك. فالبعض رأى ان الدافع يعود إلى أن الرئيس الحريري كان يناور ويماطل ويريد تعطيل تشكيل أي حكومة لا تكون برئاسته ووفق شروطه التي تتمثل بحكومة تكنوقراط مستقلة عن الأحزاب السياسية يختار وزراءها هو حصراً. والبعض رأى أن الدافع إنما يعود إلى أن الرئيس الحريري كان يتراجع لأنه واقع تحت ضغط شديد من واشنطن التي تقف وراء تعطيل تشكيل حكومة لا تلبي شروطها من شكلها وتركيبها ورئيسها، إلى برنامجها السياسي والاقتصادي المالي.. والفريقان على حق في ذلك.. إلا ان حصل ما لم يكن يتوقعه الرئيس الحريري هو قرار حليفه سمير جعجع في آخر لحظة، من فجر يوم الاثنين الماضي، بالامتناع عن تسميته في الاستشارات التي كانت مقرّرة وجرى تأجيلها بطلب من الحريري، الذي صدم من موقف جعجع.. لقد كان هذا الموقف بمثابة طعنة قاسية للحريري أشرت، ليس فقط الى مدى تضعضع قوى 14 آذار وعدم توحّدها على قلب رجل واحد، بل أشرت إلى أن وراء الأكمة ما وراءها. فقرار جعجع ليس قراراً نابعاً فقط من تصفية حسابات مع الحريري لإقدامه على الدخول في تسوية سياسية مع جبران باسيل عشية انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، وبالتالي تجاهل حليفه حزب القوات، وإنما هو قرار أميركي سعودي تبلغه جعجع في اللحظة الأخيرة، مما طرح السؤال عن أسباب هذا القرار الأميركي، بالاعتراض على اسم الحريري، وحرقه، كما تمّ حرق الأسماء السالفة الذكر..
لقد تبيّن حسب كل المعطيات أن واشنطن وضعت الفيتو على عودة الحريري إلى تشكيل الحكومة بعد أن وعدته بذلك عندما طلبت منه الاستقالة، وأن خلفية الموقف الأميركي إنما تنطلق من حساب ان الحريري جزء من منظومة الفساد التي ساعدت على انتاجها في لبنان، والشارع يحمله المسؤولية الأساسية عن الفساد والأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية. ولهذا فإن عودته إلى تشكيل الحكومة لا يخدم الخطة الأميركية لفرض أجندة واشنطن في لبنان، التي تريد تحقيق ذلك من خلال الظهور بمظهر مَن يؤيد الشارع في محاربة الفساد، كما فعلت عندما جاءت قواتها إلى العراق وسورية بذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي، الذي صنعته لاستخدامه في شنّ حربها الإرهابية، وهذا يتطلب تبني اسم جديد بديل عن الحريري، موثوق بالنسبة لها ولم يكن جزءاً من منظومة الفساد. وفي الوقت نفسه محسوب على التكنوقراط ومستقل عن الأحزاب السياسية. وهذا الاسم اتضح أنه مندوب لبنان السابق في الأمم المتحدة نواف سلام، الذي لعب دوراً مهماً إثر انقلاب 2005 حيث كان منفذاً جيداً للتعليمات الأميركية بما خصّ الملف اللبناني، والتقارير المتعلقة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكان له دور في تقديم الخدمات للسياسة الأميركية خلال مرحلة الاحتلال الصهيوني للبنان، حيث شارك في المفاوضات مع ممثلي كيان العدو الصهيوني التي أنتجت اتفاق الذل والعار، اتفاق الاستسلام لشروط العدو الصهيوني، وكان من بين الذين أسهموا في صياغته، في عهد الرئيس السابق أمين الجميل. ولهذا نفهم الآن لماذا طرح النائب سامي الجميل مبكراً اسم نواف سلام لتكليفه تشكيل الحكومة، ومن ثم تبعه في طرحه النائب ميشال معوّض، ليتضح مع انقلاب جعجع على حليفه الحريري، أن نواف سلام هو الورقة الأميركية المخبّأة ليطرح في التوقيت المناسب ليكون هو مَن يشكل الحكومة الجديدة، كي تضمن واشنطن تجديد حضورها في المعادلة اللبنانية عبر شخصية جديدة موثوقة ومجرّبة من قبل على مدى العقود الماضية.. ليس جديداً أن تُقدِم واشنطن على التخلي عمّن يخدمها وتعمل على إطلاق النار عليه عندما لا يصبح مفيداً لها وجرى استنفاد دوره، وبات تغييره أمراً ضرورياً في خدمة السياسة الأميركية.. أليس هذا ما فعلته مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وقبلهما مع شاه إيران، بعد أن باتوا مكروهين شعبياً في بلادهم وأصبحوا عبئاً على السياسة الأميركية، ومطلوب لتجديد هيمنة ونفوذ الولايات المتحدة شخصيات جديدة مقبولة شعبياً وقادرة على خدمة السياسة الأميركية في المرحلة الراهنة والمقبلة.. إنه الدرس الذي يجب أن يتّعظ منه كل من يفكر بالارتباط بواشنطن ويراهن على استمرار دعمها له، فأميركا ليس لديها حلفاء وأصدقاء دائمون، فهي تبدّلهم وتتخلّى عنهم لصالح وجوه جديدة، كما تبدّل الثعابين جلودها..
ويبدو ان الرئيس الحريري قرأ الرسالة القواتية، الأميركية الأصل، جديداً، لكنه بدلاً من أن يعيد النظر بعلاقته بواشنطن التي طعنته، وينتفض ويعيد تجديد علاقته مع التيار الوطني ويقبل بالعودة الى تشكيل حكومة وطنية لا تخضع للسياسة الأميركية، عمد إلى العزوف عن ترشيح نفسه.. ولا يُستبعد إذا جرت الاستشارات اليوم أن يلتزم ما تطلبه منه واشنطن وباريس والرياض لناحية تسمية نواف سلام او تسمية غيره، من دون موافقة الأكثرية النيابية، إلا إذا حصلت مفاجأة، غير منتظرة، وقرر الاتفاق في ربع الساعة الأخيرة مع التيار الوطني وحزب الله وحركة أمل على تسمية شخصية من تيار المستقبل او قريبة منه لتشكيل حكومة تكنوسياسية.. مع ان التجربة حتى الآن لا تشي بأن الرئيس الحريري سيتمرّد على القرار الأميركي..
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/12/19