القطاف الاقتصادي لـ«البنيان المرصوص»
لقمان عبد الله
تأمل قيادة صنعاء استعادة موارد كانت مناطقها محرومة منها (أ ف ب )
فيما لم ينجلِ بعد غبار عملية «البنيان المرصوص» التي استعادت من خلالها القوات اليمنية المشتركة مديرية نهم وأجزاء مهمة من محافظتَي الجوف ومأرب، فتحت صنعاء الباب واسعاً للتأسيس على الإنجاز الكبير الذي تَحقّق شرق العاصمة أواخر الشهر الماضي. فقد وجّهت رسالة مزدوجة إلى كلّ من السعودية ووكلائها المحليين، وخصوصاً منهم حزب «التجمّع اليمني للإصلاح» («الإخوان المسلمون» في اليمن)، مفادها أنه «ما بعد عملية البنيان المرصوص ليس كما قبله». الرسالة المُوجّهة إلى السعودية جاءت على شكل نصيحة بضرورة ترميم الهدنة بما يخدم مصلحة الطرفين، إذ لم يعد بإمكان صنعاء السكوت على الحصار بأشكاله كافة. أما رسالة الداخل، فهي وإن كانت مكرّرة، إلا أن جديدها الحديث عن الجانب الاقتصادي الذي تمثّله مأرب بالتحديد، وضرورة أن تُوزَّع مواردها بالتساوي على جميع المناطق.
وأطلقت صنعاء، أول من أمس، عبر «فريق المصالحة الوطنية»، مبادرة سياسية دعت فيها الأطراف «المرتمية في حضن العدوان الأميركي السعودي الإماراتي» للعودة إلى صف الوطن للمشاركة في معركة تحرير اليمن واستعادة سيادته واستقلاله. المبادرة، التي أعلن عنها الناطق باسم الفريق محمد البخيتي في مؤتمر صحافي، ركّزت على محافظة مأرب، وضرورة تعزيز الروابط الاقتصادية والاجتماعية بينها وبين صنعاء. ويبدو أن صنعاء تتجه إلى تثمير الإنجازات الأخيرة للعمليات العسكرية (البنيان المرصوص) على المستويين السياسي والاقتصادي، بما يؤمّن استفادة المناطق الخاضعة لـ«المجلس السياسي الأعلى» من موارد كانت محرومة منها. والجدير ذكره، هنا، أن العمليات العسكرية في محافظة مأرب كانت توقّفت على مسافة قريبة من المدينة، بعد أن سيطرت قوات صنعاء على معظم المرتفعات الحاكمة التي تساعد في تأمين العمليات المستقبلية. وهو ما أعلنه البخيتي نفسه قبل أسبوعين، عازياً إياه إلى وساطة قامت بها دولة عربية (قاصداً بذلك دولة قطر) لتحييد مدينة مأرب. ولمّح إلى إمكانية إجراء تسوية سياسية بين «الإصلاح» وحركة «أنصار الله» في شأن إدارة المدينة والمؤسسات الرسمية والاقتصادية فيها، ولا سيما أن مأرب لا تزال تنتج النفط والغاز المنزلي من حقل صافر، وتشكّل أهم مورد لخزينة ما يسمى «الشرعية» (حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي)، وإن كانت مصادر متطابقة تفيد بأن «الإصلاح» (إخوان مسلمون) هو المستفيد الأكبر من الثروات النفطية والغازية في مأرب، باعتبار المنطقة أهم معاقله في اليمن. إلا أن ارتباط «الإصلاح» بالسعودية، ووجود قيادته السياسية والدينية في عاصمتها، يمنعان مثل هكذا وساطات من أن تكمل طريقها، وخصوصاً إذا كان مصدرها الدوحة.
بيان البخيتي دعا الوكلاء المحليين لـ«التحالف» إلى الخضوع للمطالب الشعبية التي تخدم المناطق والاتجاهات كافة في اليمن، والمتمثّلة بالآتي:
- فتح طريق مأرب - صنعاء لتسهيل حركة المواطنين.
ركّزت المبادرة الأخيرة على مأرب، وضرورة تعزيز الروابط الاقتصادية بينها وبين صنعاء
- إعادة تشغيل محطة مأرب للكهرباء وإمداد المناطق اليمنية بالكهرباء وخصوصاً العاصمة صنعاء.
- ضرورة التعامل مع الثروات النفطية والغازية كحق لكلّ الشعب اليمني بدون تمييز.
وتشتري صنعاء الغاز المنزلي من شركة «صافر» المسيطَر عليها من قِبَل حكومة هادي بسعر السوق العالمي. كما أن شركة الكهرباء العامة، التي تتواجد معامل إنتاجها في مأرب، تقطع التغذية بالطاقة الكهربائية بأمر من التحالف السعودي عن جميع مناطق حكم «الإنقاذ»، الأمر الذي يضطر اليمنيين الميسورين إلى شراء الطاقة الكهربائية من الشركات الخاصة، بينما تنتشر بكثافة مصادر الطاقة البديلة (الطاقة الشمسية) في عموم البلاد.
صنعاء، التي قصفت المدينة الصناعية في ينبع السعودية نهاية الأسبوع الماضي ردّاً على تمادي الرياض في خروقاتها الجوية، ولا سيما مجزرة الجوف، أبقت باب التسويات السياسية والميدانية مفتوحاً، وهو ما أشار إليه البخيتي في مؤتمره الصحافي، عبر نصح «دول العدوان» بالاستجابة لـ«مبادرة السلام» التي تَقدّم بها اليمن وأعلنها رئيس «المجلس السياسي الأعلى» مهدي المشاط. وفي السياق ذاته، جاءت دعوته الوكلاء المحليين إلى الشراكة الاقتصادية والسياسية بما يؤمّن مصالح جميع المحافظات. لكن مصادر مطلعة استبعدت أن تتجاوب الرياض ووكلاؤها مع مبادرة صنعاء، وخصوصاً أن معظم الأوارق التي كانت بيد السعودية - وأبرزها الورقة العسكرية - تبخّرت، ولم يعد بيدها سوى الحصار والتلاعب بالورقتين الاقتصادية والإنسانية بشكل ممنهج، واستخدامهما من ضمن أدوات الحرب. وفي هذه الحالة، تكون صنعاء قد ألقت «حجّتها»، وأصبح مبرراً لها إكمال المراحل المؤجّلة من «البنيان المرصوص».
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/02/29