ترامب يُحاكي بعض زملائه القادة العرب ويُحوّل مُؤتمر الحزب الجمهوري إلى حفلةٍ عائليّةٍ تتصدّرها زوجته وابنتاه وولداه..
عبد الباري عطوان
مَن يُتابع وقائع مُؤتمر الحزب الجمهوري الذي بدأ أعماله أمس الأوّل في ولاية كارولينا الشماليّة، يخرج بانطباعٍ مفاده أنّ الرئيس دونالد ترامب حوّله إلى “مُؤتمرٍ عائليّ” بالنّظر إلى قائمة المُتحدّثين التي تصدّرها ابناه دونالد الابن، وإيريك، وابنتاه إيفانكا وتيفاني، وزوجته ميلانيا، إلى جانب صِهره ومُستشاره جاريد كوشنر في ظِل مُقاطعة لأبرز قادة الحزب مِثل الرئيس جورج بوش الابن، والمُرشّح السّابق للرّئاسة ميت رومني، وكولن بأول، وجون بولتون، ومُعظم هؤلاء وغيرهم جاهروا بأنّهم لن يُصوّتوا للرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسيّة المُقبلة لأنّه يُشكِّل عارًا على أمريكا والحِزب الجمهوري معًا.
ترامب كان مُرتبكًا في خِطابه الافتتاحيّ، ويسوده شُعور خفيّ بتراجع احتِمالات فوزه بولايةٍ ثانية، واتّضح ذلك من خِلال تهديداته غير المُباشرة بعدم الالتِزام بنتائج الانتِخابات لأنّه اتّهم الدّيمقراطيين بالسّعي لسرقة صناديق الاقتراع، وأكّد أنّ النّتيجة الوحيدة التي يُمكن أن تُوَصّل مُرشّحهم جو بادين إلى البيت الأبيض هو “التّزوير”.
هذه التّصريحات تعني، وللوهلةِ الأولى أنّ ترامب قد لا يقبل بنتائج الانتخابات، ومُغادرته الحُكم بالتّالي، وربّما يُقسّم البِلاد ويقودها إلى حربٍ أهليّة، الأمر الذي دفع بالكثير من الخُبراء الأمريكيين إلى مُقارنة خُطورة الانتخابات القادمة وأهميّتها، بنظيرتها التي جاءت بالرئيس أبراهام لينكولن عام 1860 قبل اشتِعال فتيل الحرب الأهليّة.
***
قليلةٌ، بل نادرةٌ، الإنجازات التي تحدّث عنها، وحقّقتها إدارته، أمام مُؤتمر الحزب الجمهوري، فعدد ضحايا الكورونا تجاوز حاجز 180 ألفًا، وأرقام المُصابين اقترب من الخمسة ملايين، وعدد العاطلين عن العمل حواليّ 40 مِليون عاطل، والأخطر من كُل ذلك تفاقم العنصريّة، واتّساع فجوة الانقِسام في التّركيبة السكانيّة الأمريكيّة، بين العُنصريين البيض من ناحيةٍ والأقليّات الإفريقيّة والإسبانيّة من النّاحية الأُخرى، ولعلّ حادث مقتل أمريكيين اثنين من أُصولٍ إفريقيّةٍ برصاصِ البوليس يوم أمس هو آخِر ما يُريده الرئيس ترامب، وفي مِثل هذا التّوقيت.
حالة اليأس التي يعيشها ترامب حاليًّا دفعته للإقدام للزّج بزوجته ميلانيا، العارضة السلوفينيّة السّابقة، إلى إلقاء خطاب تتحدّث فيه عن تجربتها كمُهاجرة اندمجت في المُجتمع الأمريكي، ووجدت كُل دعم والمُساعدة منه (أيّ الشّعب)، وأصبحت مُواطنة أمريكيّة مُخلصة، في مُحاولةٍ منها لاستِمالة قُلوب المُهاجرين الذين ناصبهم زوجها بالعداء، وفرّق بينهم وبين أطفالهم في مُعسكرات العزل العُنصري، وإرسال وزير خارجيّته مايك بومبيو إلى السودان وبعض الدول الخليجيّة لحثّ حُكوماتها على توقيع “اتّفاقات سلام” مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي العنصريّة في غزلٍ مكشوفٍ للأصوات اليهوديّة، وجماعات الضّغط التّابعة لهم، ونحمد الله أنّ أوّل محطّتين في هذه الجولة، وهُما السودان والبحرين أفشَلا طُموحاته في هذا المِضمار، ونأمل أن تسير سلطنة عُمان، محطّته الأخيرة، على الطّريق نفسه، وهذا أمرٌ غير مُستبعد، بعد رصد العديد من مُؤشّرات التّقارب السعوديّ العُمانيّ، والقطريّ العُمانيّ في الفترةِ الأخيرة، وانهِماك سُلطان البلاد الجديد في ترتيب أوضاع السّلطنة.
لا نعتقد أن “الحُلم الأمريكي” سينتهي بفوز الدّيمقراطيين في الانتخابات القادمة مثلما قال ترامب في خِطابه، لأنّ هذا الحُلم انتهى، أو بدأ مسيرة الانتهاء، بوصوله إلى البيت الأبيض، وبسبب سياساته العُنصريّة البغيضة، وفشله في إدارة الأزَمات الكُبرى، ممّا جعلها، أيّ أمريكا، تعيش حالةً من التّقهقر والتّراجع ليس في الدّاخل إنّما أيضًا أمام الصّين الدّولة العُظمى الصّاعدة.
***
وجهتا النّظر تتصارعان في داخلنا، الأولى تُؤيّد وتتمنّى نجاح الرئيس ترامب في الانتخابات حتّى يُكمِل مسيرته في تدمير أمريكا القوّة العُظمى الظّالمة واللّاإنسانيّة، والمُلطّخة أياديها بدِماء الملايين من العرب والمُسلمين، أمّا الثّانية فتُصلّي من أجل سُقوطه حتى يسقط معه حُلفاؤه من القادة العرب المُطبّعين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي الذين تخلّوا عن قيم العُروبة والإسلام، وتحوّلوا إلى أدواتِ قمعٍ لتمرير المشاريع الأمريكيّة الصهيونيّة في العالمين العربيّ والإسلاميّ.
عُزاؤنا في الحالين أنّ القوّة الأمريكيّة في تقهقرٍ، وخسارتها لزعامة العالم باتت وشيكةً، وأنّ الحُروب الأهليّة والإقليميّة التي فجّرتها في العالم، وخاصّةً مِنطقتنا سترتد عليها حتمًا، والوقائع على الأرض الأمريكيّة تُثبِت ذلك، ولن يُغيّر فوز ترامب أو سُقوطه مِن هذه الحقيقة.. والأيّام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/08/27