ريال مدريد – برشلونة… ترامب – بايدن
سعاده مصطفى أرشيد
يحبس بعض العالم أنفاسه في انتظار نتائج السباق نحو البيت الأبيض ومعرفة مَن سيفوز: الديمقراطي الضعيف جو بايدن، أم الجمهوري الأحمق دونالد ترامب؟ ومن المعروف أن لكل انتخابات أميركية، أو حتى غير أميركية، ظروفها المختلفة عن سابقاتها، ولكن في هذه الانتخابات ما جعل من الشيء المختلف والمتغير أكبر مما كان يحصل عن سابقاتها، وفي حال نجح الجمهوري ترامب، فإن ذلك يعني استمرار وتسارع هذه التغيرات. الأمر الذي سيقود إلى تداعيات مرتقبة يمكن ملاحظة بعض ملامحها الآن، وستكون أكثر وضوحاً ومشاهدة على المستوى الأميركي الداخلي والخارجي، بشكل مختلف عما ألفناه، كما على المستوى العالمي، فما الذي اختلف؟ في أربع سنوات من رئاسته استطاع دونالد ترامب أن يشقّ طريقاً مغايراً لما سارت عليه السياسة الأميركية الداخلية والخارجية، وهي طريق لم يسبقه إليها احد، على صعيد الداخل الأميركي، تفاقمت مشاكل العنصرية وأخذت أشكالاً حادة، في الاعتداء على المواطنين سود اللون وغيرهم من الأجانب بشكل منظم، تشارك به عناصر أمنية وشرطية، وتراجعت خدمات مؤسسات الرعاية الصحية والاجتماعية، وتعاملت الدولة مع جائحة كورونا بخفة وعدم مسؤولية. أما على الصعيد الخارجي فقد اشتعلت في رأسه الرغبة في مقاتلة العالم، مستشعراً فائض القوة، كما في العلاقات مع الصين وإيران وفنزويلا وغيرهم، ومستخفاً مزدرياً مَن يفترضون أنهم أصدقاؤه مظهراً إياهم بمظهر الذليل التابع الرخيص كما في تصريحاته العلنية التي تباهى انه بمكالمة قصيرة يستطيع أخذ المليارات من عرب البترو دولار، وبما أن ترامب غير معروف بقدراته الاستثنائية أو ذكائه العالي أو ثقافته النظرية ومعرفته بالعالم الخارجي كأسلافه، فلا بد أن مصدراً غير معروف من مصادر القوة، قد قام بدعمه وإسناده ولا يزال في شقه لهذا الطريق المختلف الذي لم يستطع رؤساء سابقون السير فيه، علما أنهم يتفوقون على ترامب حكمة وقدرة ودهاء بالجوهر، ورصانة ووقاراً بالمظهر، استطاع ترامب تهميش الدولة العميقة، التي حطّمت ريتشارد نيكسون القويّ وحوّلته إلى شخص بائس ومنبوذ، مدمن على الكحول، وكادت لاحقاً أن تحطم بيل كلنتون عندما حاول تجاوزها، واضطرته للرضوخ لسلطانها، استطاع ترامب إحكام قبضته من مكتبه في البيت الأبيض، على مفاصل السياسة وصنع القرار غير آبه بأحد، فتقلص دور الجيش وتهمش البنتاغون (وزارة الدفاع)، لصالح مستشار الأمن القومي، ولم يعد أحد يعرف اسم رئيس – رئيسة وكالة المخابرات المركزية ( C I A) وحسب ما تقول الصحافة الأميركية، إن جورج بومبيو وزير الخارجية، لا يكاد يزور مكتبه بقدر ما يقضي الوقت في أروقة وممرات البيت الأبيض. في حال فاز ترامب، فإن منسوب التوتر مع الصين سيتزايد، وقد كان من اللافت أن الرئيس الصيني المعروف باعتداله واقتصاده في إطلاق التصريحات، قد زار قواعد عسكرية صينية، وحسب ما أوردته وكالة الأنباء الصينية الرسمية، أنه طلب من عساكره أن يكونوا في حالة جهوزية لاحتمال الدخول في مواجهة عسكرية، في حال فوز ترامب، فإن أياماً صعبة ستمر على إيران التي ستتعرّض لمزيد من الحصار والعقوبات، والابتعاد أكثر فأكثر عن إمكانية العودة للعمل بالاتفاق النووي ( 5 + 1 ) الذي أبرمته مع الإدارة الديمقراطية السابقة، في حال فوز ترامب فإن محاسيب الحزب الجمهوري في العالم العربي، محمد بن زايد ومحمد بن سلمان وعبد الفتاح السيسي، يعتبرون أنفسهم من الرابحين لبقائهم ولاستكمال أدوارهم المرسومة، ولسوف تتسارع عمليات التطبيع مع «إسرائيل» أكثر من الدول العربية الخمس التي ستنضمّ بالقريب إلى قطار التطبيع، حسب ما صرّح ترامب من دون تسميتها، وقد ذكرتها صحيفة يدعوت احرونوت على أنها المغرب وقطر وعمان والسعودية ونيجيريا التي يبدو أن ترامب قد افترض أنها دولة عربية. من الرابحين بالطبع بن يامين نتنياهو، والمسألة عند هذا الرجل تتجاوز رغبته بالبقاء، إلى عدم دخوله السجن بتهم الفساد المنظورة ضده أمام المحاكم. هل ستعاقب المؤسسة الأميركية (الدولة العميقة) ترامب انتخابياً وتسقطه؟ وكأن ترامب يردّ على ذلك مستبقاً يوم الحسم الانتخابي بتصريحاته التي تقول إن عدم نجاحه يعني أن الانتخابات قد تمّ تزوير نتائجها وهو منذ اليوم يرفض نتائجها إلا أن كانت لصالحه، فهو يرى نفسه باقياً في البيت الأبيض بغض النظر عن ما تقوله صناديق الانتخابات، وهذا ما يذكر بشهادة مهمة أدلى بها محاميه السابق مايكل كوهن أمام الكونغرس – وهو خير من يعرف ترامب وقد عمل معه لفترة طويلة – : إن هذا الرجل لا روادع لديه لفعل أي شيء، لتحقيق مصالحة الشخصية كرجل أعمال، ولا روادع لديه اليوم لفعل أي شيء ليبقى في مقعد الرئاسة. في حال تمت الإطاحة بترامب، فإن معركة ضارية قد تأخذ وقتاً طويلاً يتجاوز السبعين يوماً التي يقضيها الرئيس المغادر في مقعده، وهي لن يتم حسمها بالسلاسة التي حسمت بها معركة بوش الابن مع خصمه إل غور عام 2000 حين فاز بوش بفارق ضئيل جداً، وانما ستكون إشكالية خطيرة لم يمرّ مثيل لها في تاريخ الانتخابات والسياسة الأميركية، قد تتداخل بها عناصر القضاء والتكنولوجيا والإعلام والرأي العام، لا بل ربما تصل إلى عصابات الشوارع والرعاع من العنصريين الذين أقبلوا على شراء الأسلحة مؤخراً، وتعمل على تفتيت الفسيفساء الهشة للنظام العنصري الأميركي، وتميط اللثام عن ادعاءاته الزائفة بأنه حامي الديمقراطية وقيم الحرية والعدالة. على المستوى العالمي، فإن سبعين يوماً يبقى بها ترامب في البيت الأبيض، كافية لإحداث دمار وخراب على مستوى الكرة الأرضية، فهو كما عرفناه، وكما قال عنه من يعرفه أكثر من غيره، محاميه مايكل كوهن، لن يلتزم بالعرف الأميركي المتوارث بأن يبقى خلال تلك الفترة رئيس تصريف أعمال، بل قد يذهب إلى اتخاذ قرارات خطيرة بأكثر من اتجاه، من الصين شرقاً الى فنزويلا غرباً، مروراً بشرقنا البائس الذي يتلهى صغاره بالانحياز لأحد فريقي كرة القدم رويال مدريد او برشلونة، في حين يستثمر قادته الأشاوس بالانحياز لترامب الجمهوري، كما حال بن زايد وبن سلطان والسيسي، أو بالانحياز لبايدن الديمقراطي، كما هي حال تميم القطري ومحمد بن نايف.
جريدة البناء
أضيف بتاريخ :2020/10/29