مناقشة سريعة لـ”رؤية” الأمير محمد بن سلمان لمستقبل السعودية.. ما هي الايجابيات وما هي المخاطر؟
عبد الباري عطوان ..
تابعت حديث الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، الذي أجرته معه قناة “العربية” مرتين، كما قرأت النص الحرفي الذي نشرته المحطة على موقعها، لكي أتعرف على شخصية الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية هذه الأيام، وعاهلها القادم، ورؤيته المستقبلية لبلاده التي يريد من خلالها إلغاء الاعتماد على النفط عام 2020، وإنشاء صندوق سيادي بقيمة ألفي مليار دولار يتولى ريعه الإنفاق على البلاد في عام 2030، وتحديثها، وتحويلها إلى قوة مالية جبارة.
الرجل بدا واثقا من نفسه، مراجعا لواجبه المدرسي جيدا، ومستعدا لطرح وجهة نظره، والدفاع عن أفكاره ورؤيته بجرأة، ولم يتلعثم، أو يتردد في الردود على الأسئلة المطروحة، ولا نعتقد أن كون الحديث مسجلا يؤثر على ما تقدم، وإلا لظهر واضحا في البث، خاصة بالنسبة للعارفين ببواطن الجوانب التقنية التلفزيونية.
أبرز ما جاء في “رؤية السعودية 2030″ هو بيع “أقل” من 5 بالمئة من أسهم شركة “أرامكو” “البقرة المالية الحلوب”، وأغنى شركة نفط في العالم، وطرحها للاكتتاب العام محليا ودوليا، لتأسيس الصندوق السيادي، الذي قال الأمير عنه، أنه سيسيطر على ما نسبة عشرة في المئة من القدرة الاستثمارية في الكرة الأرضية.
وكشف الأمير بن سلمان لأول مرة أن بلاده هي ثالث دولة في العالم في مجالات الإنفاق العسكري، وأن “رؤيته” ستعمل على تلبية 50 بالمئة من احتياجاتها العسكرية من مصانع محلية من خلال إلزام الشركات الغربية المصدرة بإقامتها كشرط سيثبت في العقود، مثلما تحدث أيضا عن رفع عدد المعتمرين وزوار الأماكن المقدسة (السياحة الدينية)، من 8 مليون معتمر حاليا إلى 30 مليونا حتى عام 2030، الأمر الذي سيدر دخلا كبيرا على المملكة، وتعهد بتخفيض نسبة البطالة من 11.6 إلى 7 بالمئة في غضون بضعة أعوام، وفتح باب السياحة أمام جميع دول العالم وفق الاعتبارات السعودية، دون أن يحددها.
***
“الرؤية” التي طرحها الأمير بن سلمان، واعتبرها خريطة طريق للمستقبل، تبدو “براقة” على الورق، أو شاشة التلفزيون، وهو تلفزيونه على أي حال، ومن أجرى المقابلة لم يسأل أي سؤال محرج، وهذا متوقع، ولكن عندما تنتقل هذه الرؤية إلى التطبيق العملي، ربما تأتي النتائج مختلفة تماما كـ “رؤية عسكرية” أخرى، مثل “عاصفة الحزم” في اليمن، أو الحرب بالنيابة ضد إيران في سورية.
هذه “الرؤية” ربما كان يجب أن تطبق قبل خوض الحروب الحالية، وبما يؤدي إلى تعزيز وضع المملكة داخليا، اقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا، مثلما تظل ناقصة، أو بالأحرى غير مكتملة، لأنها لا تتضمن إصلاحا سياسيا في الوقت نفسه، وخطة محكمة للتحديث في مختلف القطاعات السيادية، مثل القضاء، والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، وكان لافتا أن صاحبها، الأمير بن سلمان، لم يتطرق مطلقا إلى المرأة ودورها فيها، أو في المجتمع.
وعندما نقول أن هذه “الرؤية” تأخرت، فأننا نقصد أن طرحها جاء بعد هبوط أسعار النفط إلى أكثر من 70 بالمئة، مما أدى، وسيؤدي إلى تآكل الاحتياط النقدي (انخفض من 732 إلى 611 مليار حاليا)، بسبب العجوزات الضخمة في الميزانية (100 مليار في الميزانية الماضية و87 مليارا في الميزانية الحالية)، والرقم الأخير مرشح للارتفاع.
صحيح أن بيع 5 بالمئة فقط من أسهم شركة “أرامكو” تعتبر نسبة صغيرة، حسب آراء بعض المحللين السعوديين الموالين، ولكن من يضمن أنه لن يتم بيع حصص أخرى في المستقبل، في إطار عملية الخصخصة التي تعتمدها “الرؤية” لتوفير مداخيل مالية أخرى لمواجهة الأزمة المالية المتوقعة، وضخ التريليونات في الصندوق السيادي المقترح؟
الأمير محمد بن سلمان أكد طوال المقابلة على حرصه على الشعب السعودي ورفاهيته، ورسم البسمة على شفاهه، والارتفاع بمستوى معيشته، وهذا أمر جيد، ولكن أليس من الواجب طرح هذه “الرؤية” للمناقشة بكل الشفافية التي تحدث عنها، وأكد عليها أكثر من مرة، وهناك في المملكة خبراء اقتصاديين من الوزن الثقيل، وبعضهم بات يدرس الاقتصاد ونظرياته في جامعات عالمية، مثل هارفارد، وغيرها، والبعض الآخر أقام امبراطوريات اقتصادية عملاقة.
من حاول التغريد على وسائل التواصل الاجتماعي حول هذه “الرؤية”، وطرح 5 بالمئة من أسهم شركة “أرامكو”، ولو بشكل خفيف جدا جرى إجباره على التبرؤ من أقواله وحذف تغريداته.. وإلا.. مثلما حدث مع الدكتور عصام الزامل .. كما واجه الاقتصادي السعودي برجس البرجس الشيء نفسه وجرى إجباره إلى سحب مقال له نشره في صحيفة “الوطن” السعودية، وناقش فيه بعض جوانب مشروع التخصيص المذكور، ولكن الشيخ عبد العزيز الطريفي كان أسوأ حظا، حيث تعرض للاعتقال، ومت زال خلف القضبان حتى كتابة هذه السطور، لأنه تساءل مجرد تساؤل حول جدول عملية التخصيص هذه.
مجلس الوزراء السعودي اعتمد اليوم “الرؤية” دون أي نقاش لها، أما مجلس الشورى، فربما تعرف عليها أعضاؤه عبر شاشة “العربية”، تماما مثلما كان هذا حال وزراء آخرين.
تصفحت معظم حسابات الكتاب والإعلاميين السعوديين، وكبار العلماء والدعاة على “التويتر” و”الفيسبوك”، والبارزين منهم خاصة، لعلي استنير برأيهم ومواقفهم، ومعلوماتهم، قبل كتابة هذه المقالة، ولكن لم أجد إلا قليل القليل، بينما اختار البعض الآخر، وهو الأغلبية، تجنب الموضوع كليا، أما انتظارا لمعلومات أكثر، أو إيثارا للسلامة.
***
ما طرحه الأمير محمد بن سلمان من أفكار ورؤى يستحق المناقشة، لأنه على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة في الوقت نفسه، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصندوق الاستثماري السيادي، ويفيد التذكير هنا بما حدث لصناديق سيادية عربية وغير عربية، وما لحق بها من خسائر كارثية، وانخفاض في قيمتها بمقدار الثلث أو أكثر، أثناء الأزمة المالية التي ضربت الاقتصادات الغربية عام 2008 و2009، ولا نعرف ما إذا كان وضع الأمير ومستشاروه هذه الأزمة ونتائجها في الحسبان، واتخذوا الإجراءات اللازمة في هذا المضمار، حتى لا تنتهي السعودية بدون نفط ولا عوائد من الصندوق الاستثماري، مثلما قال الدكتور الزامل في إحدى تغريداته المحذوفة.
أن أول خطوة في هذه “الرؤية”، في رأينا، يجب أن تركز على كيفية القضاء على الفساد وتقليصه إلى حدوده الدنيا إذا لم يتأت اجتثاثه كليا، والإطاحة برئيس هيئة مكافحة الفساد، والقول بأن مسألة الفساد مسألة نسبية، كما ورد على لسان الأمير محمد بن سلمان في حديثه ربما لا يكفي، فكيف يمكن أن يؤدي رئيس هيئة الفساد واجبه والبلد في معظمه غارق فيه، ووجود “حيتان كبار” غارقين فيه، ومعظمهم من عليّة القوم وأهل الحكم؟
إنها “رؤية” لها ما لها، وعليها ما عليها، ويجب أن تكون موضع نقاش، لأن تأثيرها سيمتد إلى خارج الحدود السعودية، تماما مثل حروب المملكة الحالية في المنطقة، التي باتت تؤثر بشكل مباشر على شعوبها ومستقبلها، وتعكس تدخلا في شؤونها الداخلية، الأمر الذي يحتم علينا، وغيرنا مناقشة كل جوانبها دون تردد.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/04/26