أربعة صواريخ تنطلق من جنوب لبنان باتّجاه حيفا وعكّا تحمل أربع رسائل خطيرة.. ما هي؟
عبد الباري عطوان
جنوب لبنان “يتململ” بشَكلٍ مُتسارع، والفصائل الفلسطينيّة فيه بدأت تتضامن “صاروخيًّا” مع شقيقاتها في قِطاع غزّة والضفّة الغربيّة، والمناطق المُحتلّة عام 1948، وهذا هو التّفسير الوحيد، والأدق، من وجهة نظرنا، لإطلاق أربعة صواريخ من مدينة صور عصر اليوم (الأربعاء) باتّجاه حيفا وعكا في شِمال فِلسطين، وللمرّة الثّالثة في غُضون أقل من أسبوع.
القبب الحديديّة اعترضت صاروخًا فقط، واثنين سقطا في البحر، أمّا الثّالث فسقط في منطقة غير مأهولة، وجاء الرّد المدفعي الإسرائيلي سريعًا، ولكن شكليًّا، ودُون إحداث أيّ خسائر بشريّة أو ماديّة.
تنظيم فِلسطيني واحد يملك هذا النّوع من الصّواريخ (غراد)، وتُوجد له قواعد عسكريّة في لبنان، هو الجبهة الشعبيّة لتحرير فِلسطين (القيادة العامّة) المُقرّب من سورية وإيران و”حزب الله”، ولا تَستبعِد مصادر فِلسطينيّة عليمة في بيروت تواصلنا معها هاتفيًّا وقوف هذه الجبهة خلف هذا الهُجوم الصّاروخي، رُغم أنّه لم يُعلِن تحمّله المسؤوليّة.
لا خِلاف على التّوقيت، فتزامن هذا الهُجوم مع “الثّورة المسلّحة” التي تجتاح حاليًّا كُل الأراضي الفِلسطينيّة المحتلّة، يُؤكّد أنّ هُناك جِهات تُريد فتح جبهة الجنوب اللّبناني، بطَريقةٍ أو بأُخرى، وإحكام الحِصار على دولة الاحتِلال الإسرائيلي من كُلّ الجِهات، وربّما تنتظر المُبَرِّر.
***
لا شيء عفويّ، أو غير مدروس في جنوب لبنان، ولا نعتقد أنّ “حزب الله” فُوجِئ بهذه الخطوة، ومن الطّبيعي أن ينأى بنفسه عنها، لأسبابٍ وتوازناتٍ وحِساسيّاتٍ لبنانيّة داخليّة، ولكنّ السّؤال هو عمّا إذا كان قد أوعز بها؟ وإذا كان الحال كذلك، فإنّ السّؤال الذي يطرح نفسه يظَلّ حول الاستراتيجيّة، أو الخطّة، التي يتبنّاها الحزب وقِيادته في مُستقبل الأيّام فيما يتعلّق بالمُواجهات الإسرائيليّة الفِلسطينيّة المُستَعِرَة حاليًّا، خاصّةً بعد الانتِقادات العديدة التي تعرّض لها من المُعسكَر الآخَر بعدم دُخول صواريخه الميدان.
من الواضح أنّ كُلّ صاروخ من هذه الصّواريخ الأربعة يحمل رسالة لإسرائيل وجهات إقليميّة داخِل لبنان وخارجه:
• الرّسالة الأولى: أنّ جبهة جنوب لبنان يُمكن فتحها في أيّ لحظة، خاصّةً إذا تجرّأ العدوّ الإسرائيليّ على تنفيذ تهديداته، اقتِحام قِطاع غزّة، وارتِكاب مجازر في حقّ الشّعب الفِلسطيني.
• الرّسالة الثّانية: هدف هذه الصّواريخ الأربعة، وما سبقها، ليس إيقاع خسائر ماديّة أو بشريّة في صُفوف الإسرائيليين، وإنّما تصعيد حالة الرّعب والقلق التي يعيشونها، حُكومةً كانوا أو مُستوطنين، وإطلاق صافِرات الإنذار، وفتح الملاجئ في الشّمال الذي اعتقد البعض أنّه سيكون هادئًا، آمِنًا، وبمَنأى عن الأخطار.
• الرّسالة الثّالثة: مُوجّهة من “حزب الله” تقول مُفرداتها إنّ الحزب ليس مسؤولًا عن حراسة الحُدود الشماليّة لفِلسطين المحتلّة، والمُستوطنات في الجليل، هو مسؤولٌ عن قواعده وعناصره فقط.
• الرّسالة الرابعة: اللّاجئون الفِلسطينيّون في لبنان ومُخيّماتهم، وحالة البُؤس والاضّطهاد التي يُعانون منها قنبلة موقوتة يُمكن تفعيلها في أيّ لحظة، ويُمكن أن يظلّوا على الحِياد فيما يتعلّق بالشّؤون اللبنانيّة الداخليّة وتوازناتها، ولكنّهم لا يُمكن أن يظلّوا كذلك عندما تشتعل الجبَهات وتتوحّد ضدّ الاحتِلال الإسرائيلي.
محور المُقاومة ليس “معزولًا” عن العُدوان الإسرائيلي على قِطاع غزّة، وإن كان لم يتدخّل حتّى الآن، ولكن تصريحات اللواء حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني التي ألقاها وبثّها التّلفزيون الرّسمي اليوم وأعلن فيها “أنّ إيران تدعم حرب الفِلسطينيين ضدّ إسرائيل، وظُهورهم كأمّة مُجهّزة بالصّواريخ”، وهذا أوّل تأييد من نوعه، ولم يَصدُر عن أيّ دولة عربيّة أُخرى، يُؤكّد ما قُلناه آنفًا، أيّ وجود تنسيق مُباشر ودقيق بين قِيادة هذا المحور ونظيرتها في أنفاق قِطاع غزّة.
***
الاسرائيليّون باتوا غير قادرين على وقف هذه الحرب أو الاستِمرار فيها، والأُمور تَفلِت من بين أيديهم، بشَكلٍ مُتسارع، واحتِمال جرّهم إلى مِصيَدة جنوب لبنان الأكثر خُطورةً غير مُستَبعد على الإطلاق، في إطار استراتيجيّة مُواجهة مُتدَحرجة.
إفيغدور ليبرمان كان الأكثر دقّةً عندما سأل خصمه اللّدود بنيامين نِتنياهو، “إذا كان هذا هو حالنا في مُواجهة “حركة حماس” فكيف سنستطيع خوض حرب ضدّ إيران و”حزب الله””؟
خِتامًا نقول إنّ هُناك قرارًا مُقدَّسًا عُنوانه الأبرز “ممنوع أن تنتهي المعركة المُستعرة في قِطاع غزّة إلا بانتِصار المُقاومة، وإنّنا نتوقّع تغييرات ومُفاجآت عديدة قادمة، فصاحب القرار المُجاهد محمد الضيف يملك نفسًا طويلًا، ويُدير هذه المعركة بطَريقةٍ مُختلفة، ولن يقبل بوقفها إلا بفرض شُروط المُقاومة كاملةً وتحقيق جميع أهدافها.. والأيّام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2021/05/20