آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

أخر “مفاجآت” مسلسل التراجعات التركية.. القبول ببقاء الأسد ستة أشهر لمنع قيام دولة كردية

 

 عبد الباري عطوان ..

مسلسل التراجعات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتواصل هذه الأيام ويأخذ زخما أكبر، فبعد التطبيع الكامل مع تل أبيب، والاعتذار الواضح والمكتوب لموسكو، والانفتاح التدريجي نحو القاهرة، ها هو يطرق أبواب العاصمة السورية دمشق مبكرا.

 

صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية خرجت علينا اليوم (السبت) بتصريح منسوب إلى مصادر في الخارجية التركية، لم تسمها، يقول “إن أنقرة قد تقبل ببقاء الرئيس الأسد لفترة انتقالية قصيرة لستة أشهر لضمان عدم قيام دولة كردية على حدودنا”.

 

اختيار صحيفة سعودية لتسريب مثل هذا التحول في الموقف التركي محسوب بعناية، لإضفاء نوع من المصداقية عليه أولا، وليعكس توافقا سعوديا تركيا ثانيا، وتوجيه رسالة صريحة إلى حلفاء البلدين في المعارضة السورية بشقيها المسلح والسياسي بحدوث هذا التغيير ثالثا.

***

لا نعتقد أنه من قبيل الصدفة أن تأتي هذه التسريبات مع وصل أول طائرة روسية تقل 189 سائحا إلى مطار أنطاليا في الجنوب التركي، وكذلك بعد خمسة أيام من التفجيرات التي وقعت في منطقة قريبة من الحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة، وقبلها في مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول، وجرى اتهام “الدولة الإسلامية” بالوقوف خلفهما.

 

تصريح المصادر التركية الذي نتحدث عنه، يتضمن فقرة، أو عبارة استفزازية لا يمكن إلا التوقف عندها، وهي تلك التي تقول أن أنقرة “تقبل” ببقاء الرئيس السوري لفترة انتقالية مدتها ستة أشهر، ومصدر هذا الاستفزاز أنها، أي الحكومة التركية، لم تعد في موقف يؤهلها أن “تقبل أو ترفض” ليس في الملف السوري فقط، وإنما في ملفات المنطقة بأسرها، بعد أن فشلت هي وكل حلفائها في إسقاط النظام على مدى خمس سنوات ونصف السنة.

 

فإذا كانت تربط هذا “القبول” برغبتها في عدم قيام دولة كردية على حدودها تهدد وحدتها الجغرافية والديمغرافية، فأن هذا يعني أنها أصبحت “أسيرة” النظام السوري وليس العكس، أي أنها هي التي باتت في حاجة ماسة إليه لمساعدتها في مواجهة هذا “التهديد”، والدعم الأمريكي المستمر لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، وذراعه العسكري، وحدات حماية الشعب الكردية التي سيطرت على معظم المعابر التركية شمال غرب سورية.

 

نقطة أخرى لافتة للنظر، وهي تحديد فترة “القبول” هذه بفترة ستة أشهر فقط، تنتهي بانتهاء النظام السوري بأداء الدور المنوط به، أي منع قيام الدولة الكردية، ثم بعد ذلك تتم العودة إلى الموقف التركي المطالب بإسقاط هذا النظام، واقتطاع رأسه.

 

إنها قمة الغرور والتخبط، فمن يضمن للرئيس أردوغان بأن النظام السوري الذي قال عنه إن أيامه معدودة قبل خمس سنوات، سيكون “متلهفا” لتقديم هذه الخدمة له، والتعاون معه، لمنع قيام دولة كردية، مجانا دون مقابل، وغفران كل الممارسات الدموية على مدى السنوات الخمس الماضية؟ سينسى هذا النظام كل شيء، وسيرقص “طربا” لهذا “التنازل” أو “التعطف” التركي بالسماح لرئيسه بالبقاء ستة أشهر في الحكم؟

 

السياسة لها أحكام، والتراجع عن سياسات خاطئة هو ذروة الفضيلة والشجاعة، أيا كان من يقدم عليه، شريطة أن يكون هذا التراجع جديا صادقا، وليس تكتيكا، وفي هذه الحالة يجب تقديم سلم طويل للرئيس أردوغان وحكومته للنزول بسلام من على قمة شجرة سياساته ومواقفه التي ثبت فشلها عمليا، وانعكاساتها الكارثية على تركيا أولا، ودول الجوار ثانيا، مع ضرورة التنبيه على أن التواضع هو من صفات المؤمنين والحكماء.

 

نحن مع ضرورة إصلاح العلاقات بين تركيا وسورية، وعودتها إلى صورتها الطبيعية، أو اقرب نقطة منها، تقليصا للخسائر، وحقنا للدماء، وعودة للأمن لأننا مع وقف هذه الحرب الدموية التي أدت إلى مقتل ما يقرب من النصف مليون شقيق سوري، وتهجير خمسة ملايين آخرين على الأقل، واستنزاف المنطقة وثرواتها، ولذلك نتمنى أن يكون ما قاله السيد دوغو برينتشيك زعيم حزب “الوطن” التركي اليساري لراديو “صوت روسيا” أمس، والذي لعب دورا كبيرا في إصلاح العلاقات التركية الروسية، نتمنى أن يكون كلامه حول الخطوة القادمة هي لإصلاح العلاقات السورية التركية، وتلميحه إلى حوارات تتم حاليا بين البلدين في الجزائر للوصول إلى هذا الهدف، لأن الرئيس الأسد، وحسب قوله، يريد الحفاظ على وحدة بلاده، ووقف تأثيرات الإرهاب الذي صدره إليها أردوغان حسب قوله.

***

تركيا أردوغان تقدم على هذه التراجعات بسبب ‘حساسها بالعزلة أولا، وخطر التفتيت ثانيا، والانهيار الاقتصادي ثالثا، وجاء هذا الإحساس نتيجة انقلاب حلفائها الأمريكان والأوروبيين عليها، وتوريطها في الحرب في سورية، وعن قصد، والتراجع عنها ليس عيبا، بل العيب هو المكابرة والاستمرار فيها.

 

الرئيس أردوغان جرب الأمريكان وحلف الناتو، وجاءت النتائج محبطة، والآن يقفز إلى آخر هربة في القطار الروسي، الذي سيقوده إلى أبواب دمشق حتما، وتحقيق أمنيته في الصلاة في المسجد الأموي، ربما والرئيس الأسد على يمينه، والشيخ مفتي سورية بعمته الضخمة المميزة البيضاء على يساره.

 

لا شيء مستبعد أو مستغرب في منطقتنا التي تعتبر أكثر مناطق العالم تغيرا، بحيث يصعب التنبؤ بتطوراتها على أكثر الخبراء خبرة، ونحن من بينهم، وهكذا نجزم ونعتقد.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/07/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد