آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

لماذا يعارض الجنرال عشقي “العنتريات” في فلسطين ويدعمها بالطائرات والمليارات في اليمن وسورية؟

 

عبد الباري عطوان ..

إذا كانت السلطات السعودية لا تريد محاسبة الجنرال أنور عشقي على زيارته لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ولقاءاته مع المسؤولين الإسرائيليين في قلب القدس المحتلة، فأن الأحرى بها أن تحاكمه على تصريحاته التي جاءت تبريرا لها، لما تنطوي عليه من خطورة، وكشف لسياسات المملكة التطبيعية الانهزامية، ولكننا ندرك جيدا أن الدكتور عشقي لن يحاسب، ولن يتقدم لأي محكمة، وسيجد من يربت على ظهره إعجابا وتقديرا، لأنه أدى المهمة على خير وجه، ووفق التعليمات، ولم يكن في ظل ما قاله أي خروج على النص الرسمي، بل التطبيق الحرفي له.

 

الدكتور الجنرال عشقي اختار قناة العالم “الإيرانية” الناطقة بالعربية للدفاع عن نفسه وزيارته أمام السعوديين أولا، والمسلمين ثانيا، وهو خيار مستغرب، فالمسؤولون، بل والمواطنون السعوديون لا يظهرون على قنوات “الكفرة” و”الرافضة” و”المجوس″، ويحذفونها من على قمر “عربسات” الذي تتحكم به وزبائنه السلطات السعودية، ويحجبون جميع المواقع التابعة لإيران أو المنظمات والتجمعات الشيعية، إلى جانب كل من ينتقد سياساتهم، وهذا يعكس تناقضا أو بالأحرى ارتباكا بات الطابع اللافت في السياسات والمواقف السعودية في الفترة الأخيرة.

***

هناك مجموعة نقاط وردت في مقابلة الدكتور الجنرال عشقي ربما تبدو “صادمة” بالنسبة إلى الكثيرين، ولسنا من بينهم في هذه الصحيفة “رأي اليوم” نلخصها كالتالي من قبيل التوثيق والتفنيد:

 

أولا: الجنرال عشقي قال إن هذه الدعوة لزيارته الأراضي المحتلة جاءته من السلطة الفلسطينية، وبعد إلحاح استمر أربع سنوات، ومن اللواء جبريل الرجوب تحديدا، وهذا الكلام ينطوي على مغالطة كبيرة، فالجنرال عشقي زار القدس المحتلة قبل أعوام على رأس وفد من مركزه، والتقى مسؤولين إسرائيليين بينهم دوري غولد مستشار نتنياهو وغيره، وصلى في المسجد الأقصى، واللواء الرجوب رئيس اتحاد كرة القدم، أو هكذا نعرف، من حقه وفي حدود صلاحياته، دعوة جوزيف بلاتر أو بلاتيني أو رونالدو وخصمه ميسي، أو أي من شاء من نجوم الكرة، أما أن يدعو الجنرال عشقي فهذا أمر يحتاج إلى إيضاح من اللواء الرجوب نفسه ومن السلطة، خاصة أنه قبل أشهر رفض تبريرات اتحاد الكرة السعودي بإقامة مباراة لفريقه الكروي في القدس المحتلة تحت ذريعة معارضة التطبيع، وأقيمت المباراة في الأردن.

 

ثانيا: الجنرال عشقي أكد أن مقاومة الاحتلال المتفوق علينا عسكريا، ويملك أسلحة متطورة “معناه أن ندمر أنفسنا”، وأضاف “المقاومة لم تقتل ذبابة”، وهذا الكلام يشكل إساءة كبيرة للمقاومة، وكل الشهداء العرب والمسلمين من مختلف الأقطار العربية والإسلامية، بل هو إساءة للجنرال شارلز ديغول، وجورج واشنطن، ونيلسون مانديلا، والحاج أمين الحسيني، وعبد القادر الجزائري، ومحمد الخامس، وعمر المختار، وكل رموز المقاومة للمحتلين على طول التاريخ وعرضه، وقائمة الشرف هذه أطول من أن تحصى في هذا المكان.

 

ثالثا: أكد الجنرل عشقي أن زمن “العنتريات” انتهى “فنحن نملك عقلا كبيرا، وثقافة عالية، لابد أن نواجه إسرائيل بهذه الثقافة”، وهذا يعني أن المقاومة من أجل تحرير الأرض مجرد “عنتريات”، ولابد من مواجهة إسرائيل واحتلالها ثقافيا، وإذا كان الحال كذلك، لماذا تؤسس السعودية حلفا عسكريا وإسلاميا، وآخر عربيا، وترسل طائراتها (عاصفة الحزم)، وقواتها (عودة الأمل)، إلى اليمن منذ عام ونصف العام تقريبا؟ ولماذا تنفق المليارات، وترسل آلاف الأطنان من الأسلحة للمقاومة السورية وقبلها الليبية؟

 

رابعا: شدد الجنرال عشقي أن زيارته “شخصية” لم يستأذن فيها حكومته لأنها لا تمانع أن يذهب أي سعودي إلى بيت المقدس، وإذا كان كلامه صحيحا، لماذا يوجد نص في جواز سفره السعودي يحرم، ويمنع، أي زيارة لدول عديدة على رأسها إسرائيل؟

 

خامسا: أكد الدكتور عشقي “نحن نقتدي برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي زار المشركين وفاوضهم، وهم الذين أخرجوه من مكة المكرمة، وقتلوا الصحابة وأخيرا انتصر عليهم”، وهذا كلام جميل، ولكن ألم يعلن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الحرب على الكفار وجند لها الجيوش من المؤمنين، وقدم وصحابته وجنده آلاف الشهداء، فلماذا الاجتزاء والانتقائية هنا، وتبرير التطبيع والاستسلام بهذه الطريقة الساذجة؟

***

ما نأسف له، ويثير غضبنا، حالة الصمت في الأوساط الرسمية السعودية، وليس الشعبية، تجاه هذا التطبيع الفاضح الذي يقدم عليه كل من الأمير تركي الفيصل، والجنرال عشقي مع الإسرائيليين، والاكتفاء فقط بالقول أنهما لا يمثلان غير نفسيهما، وليس لهما أي صفة أو وظيفة رسمية، أن هذا الصمت أكثر إيلاما وتواطؤا من التطبيع نفسه، وستكون له عواقب وخيمة لاحقا، خاصة أن معظم حروب المملكة وتدخلاتها العسكرية وسياساتها الإقليمية تتعثر وتعطي نتائج عكسية، وما حدث ويحدث من خسائر بشرية في المواجهات على الحدود اليمنية أحد الأدلة.

 

مثلما نأسف أيضا، للترحيب الذي يحظى به الجنرال عشقي من السلطة الفلسطينية ورئيسها، وهي السلطة التي باتت تلعب دور “المحلل” للتطبيع، وتوفر الغطاء له، ربما مقابل الحفاظ على الدعم السعودي المالي لها، لدفع رواتب موظفيها، وهذا قمة البؤس والانحدار.

 

ترتكب السلطات السعودية خطيئة كبرى إذا اعتقدت أن تطبيعها لعلاقاتها مع إسرائيل كخطوة للتمهيد للتحالف أمنيا وسياسيا وعسكريا معها وربما يوفر لها الحماية في مواجهة إيران التي تبالغ كثيرا في خطرها، فما يحمي السعودية وأمنها واستقرارها، هو التمسك بالثوابت الإسلامية والعربية، وبئس هذه الحماية التي تأتي من محتلي المسجد الأقصى وقاتلي ومحاصري مرابطيه.

 

السلطات السعودية ترسل طائراتها الحديثة المتطورة، وهي من الأنواع نفسها التي يشيد الجنرال عشقي بإمتلاك إسرائيل لمثياتها، ويطالبنا بالاستسلام، ورفع الرايات البيضاء أمامها، ترسلها إلى اليمن وتقتل الآلاف من أبنائه، بينما “تخترق” بنود مبادرة سلام تقدمت بها عام 2002، تنص على التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل، فإذا كانت هي، أي السلطات السعودية، لا تحترم بنود مبادرتها هذه التي “تعفنت” ولم تلق إلا الاحتقار من الحلفاء الجدد، فكيف ستلزم الإسرائيليين على احترامها، أنه تطبيع مجاني مهين بكل المقاييس.

 

عزاؤنا أن الشعب السعودي الأبي يعارض هذا التطبيع بقوة، ويعتبر فلسطين وقفا إسلاميا، ومستعد للتضحية بأرواحه من أجل تحريرها، ويتبرأ من الجنرال عشقي وكل المطبعين المستسلمين من أمثاله.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/07/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد