آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

لماذا تسرب روسيا معلومات عن توقف أمريكا عن المطالبة برحيل الأسد؟

 

عبد الباري عطوان ..

تصريحان صدرا أمس عن مسؤولين كبيرين في روسيا والولايات المتحدة، يمكن أن يؤشرا إلى حدوث تغييرات كبيرة في إستراتيجية البلدين العظميين، فيما يتعلق بتطورات الوضع السوري ميدانيا وسياسيا، وانعكاساتها على منطقة “الشرق الأوسط” برمتها.

 

الأول: صدر على لسان اليكس بورودافكين مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في مقابلة مع وكالة “انترفاكس″ الرسمية أكد فيه “أن موسكو تعتقد أن واشنطن لم تعد تطالب بإستقالة الأسد فورا”، وأضاف “لقد عدلت واشنطن بعض الشيء موقفها من هذه المسألة، وبات يتلخص الآن في أنه لم يعد لدى الأسد مستقبل سياسي في سورية، ولكنها لم تعد تطالب بأن يقدم استقالته فورا.. وأن مطالبة معارضة الرياض بأن يقدم على ذلك أعطى نتائج عكسية، ولم يعد يحظى بأي تأييد من الشركاء الغربيين لأن الجميع أدرك أن رحيل الأسد يهدد بتكرار السيناريو الليبي والعراقي في سورية”.

 

الثاني: تأكيد أشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي في حديث لقوات في ولاية نورث كارولينا بأنه “سيتم بحث فرص الضغط على داعش من الجنوب السوري تعزيزا لجهودنا القائمة والقوية بمساعدة شركائنا في الأردن وفصل مسرح العمليات في سورية عن نظيره العراقي”.

***

المندوبون الروس لا يطلقون الكلام جزافا، أو بناء على اجتهاد شخصي، وكل كلمة يطلقونها محسوبة بعناية، وموحى بها من القيادة العليا في معظم الأحيان لتحقيق أهداف، وتوجيه رسائل معينة، ومقصودة، لأكثر من جهة، ومن هذا المنطلق يجب النظر إلى تصريحات المندوب الروسي الدائم في الأمم المتحدة.

 

ما يمكن فهمه من ثنايا سطور هذه التصريحات، أن مسألة بقاء الأسد من عدمه لم تعد على قمة أولويات القوتين العظميين في المستقبل المنظور، وأن اشتراط معارضة الرياض والسيد عادل الجبير رحيله الفوري تثير استياء الدول الغربية، وتغرد خارج سربها، والأكثر من ذلك تعطي نتائج عكسية.

 

التركيز الآن سيتم بالدرجة الأولى على محاربة “الدولة الإسلامية” التي باتت أخطارها تخلق حالة من الرعب، وعدم الاستقرار، في عواصم ومدن دول التحالف مثل فرنسا وألمانيا وأمريكا.

 

ولا هم لأوروبا وأجهزة أمن حكوماتها في الوقت الراهن، غير كيفية التعاطي مع موجة التفجيرات الانتحارية التي تستهدف مواطنيها، وتؤكد معظم التوقعات على لسان الخبراء أنها في تصاعد لنجاح الجماعات “الجهادية” المتشددة في اختراق النسيج الاجتماعي الأوروبي عبر بوابات عديدة أبرزها بوابة الهجرة.

 

مجلة النبأ التابعة لـ”الدولة الإسلامية” أكدت أمس أن الانتحاري السوري محمد دليل أو “أبو يوسف الكرار” الذي فجر نفسه في مطعم بمدينة انسباخ الألمانية، وأدى إلى إصابة 15 شخصا كان مقاتلا في “الدولة الإسلامية في العراق”، قبل أن يعود إلى مسقط رأسه، حلب، وينضم إلى “جبهة النصرة”، وبايع “الدولة الإسلامية” قبل أسبوع من إقدامه على تفجير نفسه، والشيء نفسه فعله تقريبا التونسي بوهلال الذي دهس عشرات الفرنسيين والأجانب على شاطيء نيس جنوب فرنسا والقائمة تطول.

 

ولعل انكفاء السلطات التركية داخليا لتطويق آثار الانقلاب العسكري الفاشل وتطويق تبعاته الأمنية والسياسية والاقتصادية، يصب في المحصلة نفسها، فتركيا خرجت، وربما نهائيا من الأزمة السورية، ومن غير المعتقد أنها ستلعب أي دور مستقبلي فيها على صعيد دعم المعارضة السورية، بالصورة الذي كان عليه طوال السنوات الخمس الماضية، بل ربما يحدث العكس، أي فتح قنوات حوار مع حكومة الرئيس الأسد عبر الحليف الروسي القديم الجديد، ولم يعد مفاجئا أيضا صمت المعارضة السورية، سواء تلك المقيمة في الرياض أو اسطنبول، وسيطرة حالة من القلق على صفوفها، وهي حالة ربما تطول بعض الشيء نتيجة غموض الموقفين التركي والغربي معا.

 

الحرب ستتكثف في الأيام والأسابيع المقبلة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتلويح الوزير كارتر بفتح الجبهة الجنوبية اعتمادا على دور أردني فيها، تأكيد إضافي في هذا الصدد، ومن غير المستبعد أن تنطلق قوات “الجيش السوري الجديد” من الأراضي الأردنية نحو دير الزور والرقة، معقل “الدولة”، خاصة أن الولايات المتحدة أعلنت عن إرسال 250 ضابطا وجنديا جديدا من القوات الخاصة إلى المنطقة.

 

الخطة الأمريكية السابقة التي اعتمدت على “الجيش السوري الجديد” الذي جرى تدريب عناصره في الأردن وتركيا بدعم وتسليح أمريكيين، فشل في استعادة الرقة، وهربت عناصره في أول مواجهة مع قوات “الدولة الإسلامية”، تاركة سلاحها خلفها، فهل سيكون حظه أفضل هذه المرة، لأنه ينطلق من الجنوب وليس من الشمال؟

***

لا نملك إجابة واضحة، ولكن ما نعرفه أن “الدولة الإسلامية” ربما تتقلص جغرافيا بعد خسارتها الرمادي والفلوجة وتدمر، ولكنها تتمدد إرهابيا في أوروبا وأمريكا وأفغانستان وليبيا والعراق (تفجيرات بغداد) وسورية (تفجيرات القامشلي)، مما يعني تغيير إستراتيجيتها ميدانيا، وفتح جبهات جديدة في أكثر من مكان في العالم.

 

للحق أن السيد الجبير هو الوحيد الذي بات يطالب برحيل الأسد، وكرر مقولته هذه قبل ثلاثة أيام أثناء قمة نواكشوط، ولكن مثل هذه المطالبات لن تجد أي أصداء، خاصة أن المعارضة السورية لم تدع إلى هذه القمة، ولو بصفه مراقب، كما أن علمها لم يظهر أبدا في خيمتها، بينما رفرف العلم الرسمي على سواريها، إلى جانب الأعلام العربية الأخرى.

 

المشهد السوري يتغير جذريا وبسرعة، وشهر آب (أغسطس) القادم، أو “آب اللهاب” قد يكون لهابا فعلا على الصعد كافة، والله أعلم.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/07/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد