آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

لماذا فك الجولاني ارتباطه بتنظيم “القاعدة”؟

 

عبد الباري عطوان ..

أخيرا.. وبعد تردد استمر ما يقرب العام ونصف العام تقريبا.. ظهر السيد أبو محمد الجولاني زعيم “جبهة النصرة” على قناة “الجزيرة” الفضائية، بالصوت والصورة، ليعلن فك ارتباط جبهته مع تنظيم “القاعدة”، وقطع كل علاقاته معها وأرثها، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وغّير اسم جبهته إلى “جبهة فتح الشام”، مسقطا اسم “النصرة” كليا.

 

السيد الجولاني ظهر في الصورة شابا وسيما، يرتدي عمامة بيضاء، ولباسا عسكريا يتطابق كليا مع اللباس الذي كان يرتديه الشيخ إسامة بن لادن، زعيم تنظيم “القاعدة”، قبل اغتياله على يد وحدة كوماندوز أمريكية خاصة في أيار (مايو) عام 2011 في مدينة أبوت أباد الباكستانية.

 

كان من المفترض أن يُقدم السيد الجولاني على هذه الخطوة قبل أكثر من عام، عندما زاره الزميل أحمد منصور، المذيع في قناة “الجزيرة”، وسجل معه مقابلة حرص خلالها على إخفاء وجهه، ولكنه، استجابة لنصائح بعض شيوخ السلفية من بينهم، الشيخين أبو محمد المقدسي، وعمر أبو عمر (أبو قتادة)، علاوة على الشيخ عبد الله المحيسني، تمسك بالعقيدة الإيديولوجية لتنظيمه، وارتباطه مع تنظيم “القاعدة”، وكرر الزميل منصور المحاولة بعد ذلك ببضعة أشهر، ولم يفلح في انتزاع “قرار” فك الارتباط، ولكن جاء الحال مختلفا في المرة الثالثة.

***

التفسير الرسمي الذي ورد على لسان الجولاني لتبرير هذه الخطوة يقول “نزولا عند رغبة أهل الشام في دفع الذرائع التي يتذرع بها المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا وروسيا في قصفهم وتشريدهم عامة المسلمين في الشام، بحجة استهداف جبهة النصرة التابعة لتنظيم قاعدة الجهاد، قررنا إلغاء العمل باسم جبهة النصرة وإعادة تشكيل جماعة جديدة تحمل اسم جبهة فتح الشام”، وأكد “أن هذا التشكيل الجديد ليس له أي علاقة بأي جهة خارجية” متوجها بالشكر إلى قادة تنظيم “القاعدة” لتفهمهم ضرورات فك الارتباط أي فك البيعة”.

 

التحضير لخطوة فك الارتباط هذه بتنظيم “القاعدة” بدأ قبل أشهر، حيث تم إرسال مندوبين إلى كل حواجز جبهة النصرة وقواعدها الميدانية في حلب وأدلب ومنبج، لشرحها والتمهيد لإعلانها رسميا، وشرح الضغوط التي تعرضت لها الجبهة، خاصة من داعميها في قطر والسعودية وتركيا، ووصلت إلى درجة وقف الدعمين المادي والعسكري إذا استمر الالتزام بالبيعة لتنظيم “القاعدة”.

 

السيد الجولاني كان يعارض فك الارتباط بقوة، ومعه مجلس شورى الجبهة، ويقول لمن يطالبونه بهذه الخطوة من الوسطاء، وما أكثرهم، “اليوم يقولون أقبل بفك الارتباط، وبعد ذلك أذهب إلى جنيف والرياض، ثم انخرط في القتال ضد داعش.. أي تحول إلى قوة صحوات”.

 

أعضاء مجلس شورى الحركة كانوا يؤيدونه بقوة في تبني هذا الموقف المتشدد، ويؤكدون أن فك الارتباط مع القاعدة سيؤدي إلى حرمان الجبهة من جمهور عريض من الأنصار والمتعاطفين في العالمين العربي والإسلامي، علاوة على عدم ثقتهم بالأمريكان والروس معا، ووعودهم، مثلما أكد لنا مصدر مقرب من الجبهة في اتصال هاتفي.

 

توقيت اتخاذ هذه الخطوة على درجة كبيرة من الأهمية، وذلك للأسباب التالية:

 

أولا: تتزامن مع سقوط معظم حلب الشرقية وحي بني زيد بالذات معقل الفصائل المسلحة، وإغلاق طريق الكاستيلو، خط الشريان الوحيد لدعمها من قبل قوات الجيش السوري.

 

ثانيا: توصل القوتين العظميين، أي روسيا وأمريكا، إلى تفاهم بتصفية “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، تمهيدا لاستئناف العملية التفاوضية في غضون ثلاثة أسابيع على الأكثر في جنيف، وتلقت “النصرة” وعودا باستثنائها من القصف إذا تخلت عن “القاعدة”.

 

ثالثا: تخلي حلفاء المعارضة السورية المسلحة عنها خاصة في دول الخليج، وانكفاء تركيا داخليا لمعالجة تداعيات وذيول الانقلاب العسكري الفاشل، وتطهير الجيش ومؤسسات الدولة بالتالي، من كل المتورطين فيه أو المتعاطفين معه، وتمتين علاقاتها، أي تركيا، بروسيا، حليفة النظام في دمشق.

 

رابعا: توقف الدعم المالي والعسكري وتزايد ضغوط الحاضنة السورية المدنية في أدلب وحلب على جبهة النصرة، للخروج، أو التخلي عن الارتباط بالقاعدة، إذا كان هذا التخلي يؤدي إلى وقف القصف الجوي المزدوج من التحالفين الروسي والأمريكي.

 

خامسا: إغلاق تركيا حدودها بالكامل مع سورية، وإطلاق النار على السوريين الذين يحاولون الهرب إليها بأرواحهم من جراء القصف وقتل العشرات منهم.

 

السؤال الذي يطرح نفسه سيكون حول مستقبل “جبهة النصرة” بعد هذه الخطوة المفاجئة، وردود فعل فصائل المعارضة الأخرى، والقوى العظمى المتورطة في الأزمة السورية، والصورة التي سيكون عليها المشهد السوري المعارض برمته لاحقا؟

 

من الصعب علينا أن نقرأ الغيب، ولكن يمكن محاولة الاستقراء، والتكهن ببعض التطورات بشكل أو بآخر:

 

أولا: من غير المستبعد أن يحدث انشقاق في صفوف جبهة النصرة على المستويين القيادي والمقاتلين، وانضمام أعداد كبيرة، خاصة الأصوليين المتشددين، إلى “الدولة الإسلامية”.

 

ثانيا: تعاظم الضغوط على “جبهة النصرة” سابقا و”جبهة فتح الشام” حاليا، للانخراط في صفوف قوات التحالف، وبعض فصائل”الجيش الحر”، وإعلان الحرب على “الدولة الإسلامية، باعتبارها “حركة إرهابية”، جنبا إلى جنب مع القوات الأمريكية والفرنسية والروسية الخاصة، وربما السورية أيضا.

 

ثالثا: تدفق المساعدات المالية من دول الخليج وخاصة قطر والسعودية مجددا، وإرسال مندوبين من الجبهة في صيغتها الجديدة للانضمام إلى الهيئة العليا للمفاوضات التي يتزعمها السيد رياض حجاب، ومقرها الرياض، والذهاب إلى مفاوضات جنيف لاحقا تحت مظلتها.

 

إنها مغامرة كبيرة وخطيرة من قبل السيد الجولاني، فلا توجد أي تأكيدات أو ضمانات بأن القصف الجوي سيتوقف، وتغاضي الأمريكان والروس، ناهيك عن النظام في دمشق عن ماضي “جبهة النصرة”، وعلاقاتها مع “القاعدة”، وبالتالي إزالتها من قائمة الإرهاب، وحتى لو جرى فعلا تقديم مثل هذه الضمانات، فهل سيتم الالتزام بها لاحقا؟

***

نطرح هذه الاحتمالات لأننا نعرف جيدا تجربة منظمة التحرير الفلسطينية مع الغرب، ورضوخها للضغوط الغربية والعربية، والتخلي عن الكفاح المسلح، مثلما ندرك أيضا النتائج التي ترتبت على ذلك وهي معروفة ولا تحتاج إلى شروح، وربما يفيد في هذه العجالة الإشارة إلى مبادرة السلام السعودية التي جرى تقديمها، ومن ثم تبنيها من قمة بيروت العربية في آذار (مارس) عام 2002، وما انتهت عليه، فهل ستكون جبهة النصرة وزعيمها الجولاني، أفضل حظا من المنظمة ورئيسها عرفات، وحن هنا لا نقارن بين الجولاني وعرفات أو النصرة ومنظمة التحرير، فالفارق كبير والمنظمة كانت تحارب عدوا إسرائيليا، ولكننا نشير هنا إلى خداع الغرب ونكثه للوعود، أيا كان الطرف الأخر الذي يصدق وعوده.

 

وهل من قبيل الصدفة أن قناة “العربية” السعودية لم تبث خبرا عاجلا أو عاديا عن هذا الانقلاب في “جبهة النصرة”، سياسيا وعقائديا؟ نترك الباقي لفهمكم، نحن أمام تسونامي سياسي وعسكري كاسح ستكون له الكثير من الارتدادات.

 

قلنا في هذا المكان أن مدينة حلب، ونتائج الصراع عليها هي التي ستحدد هوية سورية الجديدة، ولعل اختفاء “جبهة النصرة” بشكلها القديم، وتقدم التحالف الروسي السوري الإيراني عسكريا في محيطها، وتأكيد الكثير من الخبراء بأن سقوط حلب عسكريا بات وشيكا، لأنه لم يعد خطا أحمر بالنسبة لحلفاء المعارضة العرب والأتراك والأمريكان، كلها عوامل تمهد لحدوث انقلاب في المشهد السوري، يمهد لتطبيق التفاهمات السرية الأمريكية الروسية، التي جرى طبخها في الغرف السوداء المغلقة.. والأيام بيننا.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/07/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد