آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

ما هي السيناريوهات المتوقعة بعد انهيار المفاوضات اليمنية في الكويت؟

 

عبد الباري عطوان ..

انهيار مفاوضات السلام اليمنية بعد 99 يوما من عقدها في الكويت، بإشراف السيد إسماعيل ولد الشيخ المبعوث الأممي لم يكن مفاجئا، لأن الطرفين المتفاوضين لم يشاركا فيها من أجل الوصول إلى حل سلمي توافقي دائم ينهي الحرب، وإنما كسب الوقت، ومحاولة تحقيق ما فشلا في الوصول إليه عسكريا عبر المفاوضات، حيث كانت المفاوضات عملية “تكاذب” مكشوفة، لا تعكس نوايا المتفاوضين الحقيقية.

 

المفاوضات كانت بين فريقين، الأول يسيطر على معظم الأرض، خاصة في الشمال، والعاصمة صنعاء، وآخر يسيطر على الأجواء، ويملك المال، والسلاح، والدعمين السعودي والخليجي، وتواطؤ غربي، وعربي متلكيء غير جدي طابعه المجاملة، مجاملة السعودية، زعيمة التحالف العربي، وطمعا في أموالها.

 

السيد ولد الشيخ الذي أعلن رسميا عصر السبت انهيار المفاوضات، ولكن بكلمات دبلوماسية مهذبة، جرى اختيارها بعناية لإخفاء اعتراف عملي بالفشل، بدأ ممتقع الوجه، باذلا كل جهد ممكن للبقاء في وظيفته، والاستمرار في دوره كمبعوث دولي من خلال الحديث في مؤتمره الصحافي الموسع، وربما الأخير، عن “تعليق” المفاوضات، واحتمال العودة إليها بعد شهر في “مكان آخر”، مؤكدا أنه لم يتقدم بطلب عقدها في الكويت، مما يوحي أن الكويت لم تعد ترحب بها، وانعقادها على أرضها مرة أخرى بعد أن طفح الكيل.

***

الانجاز الوحيد الذي حققته المفاوضات هو جمع المتورطين في الأزمة اليمنية على طاولة واحدة، وهذا ليس انجازا على أي حال، لأن هذه الأطراف التقت قبل ذلك في جنيف، وكانت نتائج اللقاء مماثلة، أي عدم تحقيق أي تقدم.

 

مفاوضات الكويت جاءت لأن “عاصفة الحزم” وبعد 16 شهرا من انطلاقها فشلت في فرض الاستسلام على التحالف “الحوثي الصالحي”، وإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى قصره الجمهوري في صنعاء، وإجبار التحالف المذكور على تسليم الأسلحة الثقيلة التي في حوزته، والانسحاب من المدن، وإذا كانت طائرات (اف 16) التي تعتبر واحدة من الجيل الأحدث في الترسانة العسكرية الأمريكية فشلت في تحقيق هذه الأهداف، فهل يعقل أن تحققها مفاوضات الكويت؟

 

الأزمة اليمينة وبعد انهيار مفاوضات الكويت بدأت تعود إلى المربع الأول، وباتت احتمالات اللجوء للتصعيد العسكري، خاصة من الجانب السعودي هي الأكثر ترجيحا، وعلينا أن نتوقع عودة العميد ركن احمد عسيري المتحدث باسم “عاصفة الحزم” مجددا، وبصفة يومية، إلى الشاشات التلفزيونية السعودية والخليجية بعد غياب طويل.

 

السيد عبد الملك المخلافي رئيس الوفد اليمني المفاوض في الكويت، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، أكد في مقابلة له على قناة “سكاي نيوز عربية” “أن وفده قدم كل شيء في سبيل السلام، لكن الحل العسكري بات أحد الخيارات المطروحة، حيث أن الانقلابين يرفضون السلام وبالتالي سيواجهون القوة حتى ينصاعوا له”.

 

التحالف “الحوثي الصالحي” استعد بشكل “عملي” لانهيار مفاوضات الكويت بإعلان تشكيل المجلس السياسي الأعلى مناصفة، وبرئاسة دورية، وتسمية أعضاء هذا المجلس بحضور الرئيس اليمني السابق علي عيد الله صالح، وأمين عام تيار أنصار الله الحوثي في صنعاء، وتصعيد أعمال القصف والتوغل في الحدود الجنوبية السعودية، (جيزان نجران وعسير)، واستئناف إطلاق الصواريخ البالستية.

 

العنصر الجديد والمهم الذي طرأ على المسرحين السياسي والعسكري للازمة اليمنية، هو التحول الكبير في الموقف الروسي، والانتقال من مرحلة “الامتناع″ عن التصويت في مجلس الأمن بشأن القرارات حول اليمن، إلى مرحلة الرفض واللجوء إلى التعطيل، مثلما حدث يوم الأربعاء الماضي، عندما صوت المندوب الروسي فيتالي تشروكين ضد مشروع بيان يلزم الحوثيين وصالح بالتعاون مع المبعوث الدولي السيد ولد الشيخ، ومسودة الاتفاق الأممية للحل التي تنص على انسحاب التحالف “الحوثي الصالحي” من صنعاء وتعز والحديدة، تبدأ بعدها محادثات سياسية لتشكيل حكومة توافقية، تؤدي اليمين أمام الرئيس هادي.

 

هذا الدخول الروسي على خط الأزمة اليمنية يشكل انقلابا ينهي السيطرة الخليجية، على هذا الملف، ويثبت اتهام المبعوث الدولي ولد الشيخ بالانحياز إلى طرف في الصراع، وهو الطرف السعودي الخليجي، وتبني وجهة نظره، وهذا ما يفسر رفض وفد صنعاء لهذا الحل، والتوقيع بالتالي على أي بيان ختامي لمفاوضات الكويت.

***

التحالف “الحوثي الصالحي” خرج “غير مهزوم” من معركة عض الأصابع في الأزمة اليمنية مع الخصم السعودي، ونجح في امتصاص الصدمة الأولى في حرب “عاصفة الحزم”، وإظهار هذا الخصم بالمعتدي الذي يقتل الأطفال، ويدمر البنى التحتية، وبدأ ينقل الحرب إلى خاصرته الأضعف، أي حدوده الجنوبية، وضرب مدنه بالصواريخ البالستية أو المورتر، وإجباره على ترحيل أبنائها إلى الشمال الآمن.

 

السلطات السعودية أرادت أن تكون جولة مفاوضات الكويت الغطاء الدبلوماسي لاتفاق سلام يشرعن استسلام التحالف “الحوثي الصالحي” لشروطها الأساسية، يتم التوقيع عليه في الرياض ومكة، ويتم تسويقه للشعب السعودي على انه انتصار كبير، ولكن “الدهاء” اليمني أقوى من أن يقبل بهذه الالتفافة المكشوفة.

 

أيام اليمن المقبلة ستكون صعبة حتما، ومعركة كسر العظم في صنعاء وجوارها، بدأت فعلا، ولكن أيام السلطات السعودية ستكون أكثر صعوبة، ودعوة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي السعودية قبل يومين للمواطنين السعوديين للتبرع لدعم الجيش السعودي الذي يحارب في الجنوب، تؤكد هذه الحقيقة، وتثبتها، لأنها دعوة خطيرة جدا، وتوحي بالكثير.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/08/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد