أموال « داعش»... كم تبلغ؟ وكيف حصل عليها؟
كاظم الموسوي
الحصول على الأموال وحركتها وتمويلها أو تصريفها هو أبرز المسكوت عنه في تأسيس التنظيم الإرهابي، الذي سُمي إعلامياً بـ«داعش»، ودور ذلك في نموه وتجميع عناصره وتوفير الخدمات وبناء مجموعاته وشراء الذمم والقلوب والعقول بتغليف طائفي ومذهبي ودعم خليجي، اتّضح أكثر بعد الصراعات داخل مجلس التعاون، وبإشراف واستثمار الإدارة الأميركية.
كيف حصل على الأموال ومن أين؟ خزينته وأرصدته وإعلان وزارة أو ولاية له... ولماذا كان السكوت عن هذا الأمر شاملاً، من الحكومات ووسائل الإعلام، وحتى تلك المتضررة منه؟!
منذ بداية نزوح المجموعات الإرهابية إلى العراق وامتدادها إلى سوريا، كانت تستحصل على أموال شهرية وتجبيها بالقوة والتهديد، واغتالت عدداً من الرافضين لها أو الممتنعين عن الدفع الشهري. وكانت تلك العصابات تفرض «ضريبة» أو «جزية» على المسلمين وغير المسلمين شهرياً في المحافظات الغربية في العراق، بطرق شبه علنية، وتجبر، خصوصاً الأطباء والتجار والأكاديميين وغيرهم، على ذلك بتهديد وترغيب وتخويف وترهيب. وكانت هذه المجموعات قبل أن تدعى بهذا الاسم «داعش» تتسلم دعماً خليجياً معلناً في الفضائيات تحت اسم العون والنصرة والمعونة والإغاثة والمساعدة، وترفع في العواصم الخليجية بوسترات وشعارات ولافتات بصور «الدواعش» الخليجيين، وبأسمائهم الصريحة، من شيوخ دين وأكاديميين وسياسيين طائفيين، زرعوا البذور وانتظروا طويلاً لمصير ودور خرابهم. وكانت هذه المجموعات الإرهابية قد بنت لها حواضن محلية، من بقايا أحزاب وتجمعات سياسية ودينية وتحت لافتات مختلفة، تجمعها أهداف وقناعات وتظلمات أججها الاحتلال الصهيوأميركي للعراق، والنزعات الطائفية والمذهبية والاثنية التي استغلها الاحتلال وإدارته ولعب على أوتارها بسياساته المعروفة، فرّق تسد، والصدمة والرعب، ومن ثم التمكن في الهيمنة والاستعمار.
أعلن مؤخراً عن كمية الأموال التي سيطر عليها «داعش» ولم يجر الحديث عنها لما قبل تلك الفترة، في أحيانها... ربما مرات قليلة وعبر تصريحات ومقابلات تلفزيونية لمسؤولين محليين أو أشخاص تعرضوا لمخاطر حياتية جراء أساليب النهب والسيطرة وسرقة الأموال. وكذلك شيوع الصمت الرسمي المثير للريبة، كما هو حال المنظمات والأحزاب المشتبكة مع «داعش» في الكثير من الأبواب. ولأول مرة تعلن رسمياً أرقام عن الأموال التي كان الإرهاب يتصرف بها. بحسب وكالة «سبوتنيك» الإخبارية، فقد كشف مصدر محلي (7 آب/ أغسطس)، تتبع أموال «داعش» الإرهابي، داخل الموصل، عن ثلاثة مسارات لتحويلات مالية وصلت لـ«الدواعش» حتى مع اشتداد القتال للقضاء عليه في المدينة. وكالعادة تحفظ المصدر عن الكشف عن اسمه، إلا أنه قال: إن طريقة تحويل الأموال لتنظيم «داعش» كانت معقدة جداً، ولكنها ممكنة، صحيح أنها كانت تتم بأموال قليلة في نهاية عام 2016، والأشهر الأولى من السنة الحالية، لكنها تدفقت بشكل مستمر، حتى سقوط «خلافة» التنظيم وإعلان الموصل محررة منه بالكامل. وأوضح المصدر، أن الأموال التي وصلت إلى «داعش» ليست أكثر من (100-80) ألف دولار أميركي يومياً، وهذا الرقم المالي يعتبر قليلاً مقارنة بالتي كان يحصل عليها التنظيم خلال أعوام سطوته ما بين (2014-2016) من خلايا نائمة له وتجار الأسواق أو التهريب وأطباء وأكاديميين وعناصر له، ومتعاطفين معه أو مجبرين عليه عبر مسارات معلومة. ذكر بعضها النائب البرلماني عن الموصل، عبد الرحمن اللوزي بالأسماء، حيث أكد على أسماء وزير اتصالات سابق، ومحافظ نينوى السابق، ونائب رئيس مجلس محافظة نينوى، ومدير مكتب وزير المالية الأسبق، المحكوم عليه قضائياً والمقيم خارج العراق، وآخرين يمكن العودة إليه في اليوتيوب أو عبر محرك البحث العالمي.
بلغ دخل التنظيم ملياري دولار سنوياً
أما البنك المركزي العراقي، فقد أعلن (8 آب/ أغسطس 2017 ) لأول مرة عن المليارات التي حصل عليها «داعش»، مشيراً إلى اتخاذه إجراءات احترازية لحماية القطاع المصرفي والمالي خلال فترة سيطرة التنظيم. وقال في بيان له إن «الجهاز المصرفي العراقي تعرض ما بعد أحداث حزيران/ يونيو 2014، لانتكاسة كبيرة بسبب سيطرة عصابات «داعش» على ثلاث محافظات هي نينوى والأنبار وصلاح الدين، إضافة إلى أجزاء مهمة من محافظة ديالى». وهذا يعني أن «داعش» سيطر على قرابة 121 من فروع المصارف الحكومية والخاصة بما فيها الفرع التابع للبنك المركزي العراقي». وأضاف أن «التقديرات في ضوء آخر الأوضاع المالية لفروع المصارف التي سيطر عليها «داعش» بأن إجمالي المبالغ التي كانت فيها، تقدر بحدود 856 مليار دينار، إضافة إلى أن قرابة 101 مليون دولار، وأن أغلب هذه الودائع تعود إلى الدوائر الحكومية والمتعلقة بمشاريع المحافظات ضمن موازنة عام 2014، من ضمنها أرصدة وزارتي الدفاع والداخلية، والأرصدة العائدة للأقليات من المسيحيين والايزيديين والشبك والتركمان وكافة الطوائف والمذاهب الإسلامية الأخرى، إضافة إلى أرصدة بعض الشركات المحلية الصغيرة التي غادر أصحابها هذه المدن بسبب الحرب والاحتلال الداعشي لمناطقهم».
تابع البنك أن «الضغوط تفاقمت على الجهاز المصرفي بعد استحواذ حكومة إقليم كردستان على ودائعه في فرعي البنك المركزي التابعين إلى وزارة مالية الإقليم، والتي تقدر بحدود 5 ترليونات دينار يعود قرابة 50 % الى المصرف العراقي للتجارة، ويعود النصف الآخر إلى أكثر من 80 فرعاً تابعة للمصارف الخاصة ضمنها فروع للمصارف الأجنبية العاملة في العراق». حسب ما أوردته وكالات الأنباء عن البنك.
ولفت البنك وفق بيانه الى أن «داعش» جنى أموالاً طائلة منذ فرض سيطرته على مناطق واسعة من نينوى في حزيران عام 2014، حيث أن دخله بلغ ملياري دولار سنوياً، ما جعله من أغنى التنظيمات في ذلك الوقت»، كما أصبح «داعش» غنياً من خلال بيع النفط الذي نهبه من العراق وسوريا، ولم يفصح عن الجهات التي كانت تتاجر بالنفط الذي يسرقه داعش ويهربه الى مختلف البلدان، بما فيها الكيان الإسرائيلي. (؟!)
أكد البنك أن «العائدات اليومية لـ«داعش» من البيع غير القانوني للنفط بلغ نحو مليوني دولار نظير بيع 30 ألف برميل يومياً تقريباً، حيث تراوح سعر البرميل من الذهب الأسود لديه بين 25 ــ 50 دولاراً أميركياً قبل انخفاض أسعار النفط في الفترة الماضية».
في المحصلة الختامية إن «داعش» تمكن قبل أن يحمل اسمه هذا من الحصول على أموال كثيرة قد تكون أكبر من ميزانيات بلدان عدة في المنطقة، من جهة، واستثمر ما حصل عليه في استمراره وديمومته، من جهة أخرى، فضلاً عن التحكم في مصائر السكان والبلاد والخراب والدمار الذي ألحقه في كل المدن التي استولى عليها، وستبقى وصمة عار تلحقه وكل من دعمه ويسّر أمره وحشر نفسه في دفع الكلفة البشرية والمادية التي ضحى بها الشعب والوطن. ولا بد من حسابها ومحاسبة المتورطين بها، أفراداً وأحزاباً وحكومات غطت المنظمات التي قامت بذلك علناً، وكلها مسجلة ومثبتة في أرشيفات وسائل الإعلام التابعة أو المعارضة لها. وبالتأكيد أي إغفال أو تدبير الإفلات من العقاب، والتنكر لقرارات دولية بتجفيف موارد الإرهاب ومنابعه، مشاركة عملية في كل الجرائم التي ارتُكبت والمجازر التي حدثت. وهذه كافية للحكم والمحاكمة والقصاص واحترام حقوق الإنسان والشعوب.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/08/23