دفع الثمن في حروب أمريكا في أفغانستان والعراق
كاظم الموسوي
ما أن طرحت إستراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استمرار احتلال أفغانستان، رحبت بها الرئاسة الأفغانية وندد بها الرئيس الأفغاني السابق حميد قرضاي!، واحتجت عليها الحكومة الباكستانية، وخاصة المؤسسة العسكرية الحليفة لواشنطن، وكان المتوقع، حسب الكثير من المراقبين، الانسحاب العسكري من أفغانستان، لأسبابه التي عرفت أو فضحت بعد كل تلك السنوات. إلا أن الإدارة الأمريكية الجديدة حاولت مسك العصا من الوسط، فلا انسحاب كامل ولا بقاء كامل، رغم الإعلان عن إرسال قوة عسكرية جديدة. أو مثل ما قاله ترامب منتقدا سياسة من سبقه، بأنه لن يتحدث عن عدد القوات ولا خططه في البلاد. ولكنه اعترف بأنه كان يريد في الأصل سحب القوات من هناك، لكنه قرر البقاء و”القتال من أجل الفوز″ متحاشيا الأخطاء التي ارتكبت في العراق. وأعلن أن بلاده ستعزز وجودها العسكري في أفغانستان وستزيد المبلغ المخصص لهذا الغرض. وقال إنه يريد أن يغير النهج المعتمد على تحديد وقت للبقاء في أفغانستان إلى نهج آخر يعتمد على الظروف على الأرض، مضيفا أنه لن يحدد مواعيد. ولكنه حذر من أن هذا لا يعني عدم وجود حدود لبقاء القوات في أفغانستان. وأضاف أن “أمريكا ستعمل مع حكومة أفغانستان، طالما رأت التزاما وتقدما منها”. وحذر ترامب باكستان من أن الولايات المتحدة لن تسمح بعد اليوم بأن تقدم باكستان “ملاذا آمنا” للمتشددين، قائلا إنها “ستفقد الكثير” إن لم تقف إلى جانب الأمريكيين. وقال “مازلنا ندفع لباكستان مليارات الدولارات، وهي في الوقت نفسه تؤوي المتشددين أنفسهم الذين نقاتلهم”. أي أن ترامب في الإستراتيجية الجديدة سيظل مراوحا ومنتظرا رغم الكلفة الفلكية التي ستجبره وإدارته على الإقرار بالهزيمة، مهما كانت الكلمات التي تستخدم في مثل هكذا حالات ومواقف. وفي الوقت نفسه طلب من حلفائه الآخرين المشاركة مع واشنطن في تحمل الثمن والتداعيات. ودعمه في إستراتيجيته الجديدة، معبرا لهم عن رغبته في رفع مساهمات بلدانهم “لتتماشى مع ما نساهم به”.
أشار وزير الحرب/ الدفاع الأمريكي، جيم ماتيس، في بيان إلى أن “عددا” من حلفاء الولايات المتحدة “ملتزمون بالفعل برفع أعداد قواتهم”. وقال نظيره البريطاني، سير مايكل فالون، إن التزام الولايات المتحدة في أفغانستان “مرحب به”، مضيفا “علينا أن نبقى في أفغانستان للفترة المحددة للمساعدة في بناء ديمقراطيتها الهشة، وللحد من تهديد الإرهاب للغرب”.
كان ترامب قد أشار من قبل إلى احتمال أن يأتي يوم يتم فيه اتفاق سلام مع طالبان، ولكنه قال “لا أحد يعرف إن كان هذا سيحدث”. ومباشرة ردت منظمة طالبان، على لسان ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسمها، رفض إستراتيجية ترامب، معتبرا أنه “لا شيء جديدا” فيها، ونقلت عنه وكالة فرانس برس قوله إن على الولايات المتحدة أن تفكر في إستراتيجية خروج “بدلا من مواصلة الحرب”.
من جهته رفض الميجور جنرال آصف غفور، المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الاتهام فور صدوره، وقال للصحفيين “ليس في باكستان مخابئ للمتشددين”. وهذان الردان يوضحان المقدمات وما ستؤول إليه النهايات لحرب إمبريالية خاسرة دون شك.
المعروف أن العمليات الأمريكية العسكرية ضد طالبان انتهت رسميا في 2014، ولكن لا يزال يوجد أكثر من 8000 جندي من القوات الأمريكية الخاصة في أفغانستان بادعاء مد القوات الأفغانية بالمساعدة العسكرية والتدريب والتخطيط. كما يعلنون للإعلام والرأي العام الأمريكي خصوصا، وإذا دفع من جديد بقوات جديدة فهذا يعني أن سياساته لم تكن قادرة على تقديم ما هو معلن من مساعدة، وان القوات الأمريكية وحلفاءها في موقف عسكري لا تحسد عليه عمليا، وغير قادر على تحمل ما يدفعه من تكاليف فلكية تشير إلى ذلك. إذ أنها الأكثر كلفة لواشنطن منذ الحرب العالمية الثانية،وحسب تقديرات مركز الدراسات الإستراتيجية، الأمريكي، أن الكلفة المباشرة للحرب في أفغانستان بما في ذلك المبلغ المخصص لها للعام المقبل قد بلغت 841 مليار دولار. بينما تقول تقديرات أخرى إن هذه الحرب التي دخلت عامها السادس عشر قد تجاوزت تريليون دولار إذا أخذنا بعين الاعتبار كلفتها غير المباشرة، دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى نهاية قريبة لهذه الحرب.
وحسب ما نشرته شبكة (بي بي سي 2017/8/22) رات نيتا كراوفورد، منسقة مشروع كلفة الحروب في جامعة براون الأمريكية أن كلفة الحروب الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان وباكستان منذ عام 2001 قد قاربت 5 تريليون دولار من بينها 2 تريليون كلفة الحرب الأفغانية بما في ذلك الكلفة المتوقعة مستقبلا. ولا تشمل هذه الكلفة النفقات المستقبلية لإعالة قدماء الحرب في أفغانستان والنفقات التي ستتحملها السلطات المحلية لتقديم الخدمات للعائدين من الحرب في أفغانستان.
أما على صعيد الكلفة البشرية فقد تجاوز عدد قتلى الحرب أكثر من 110 آلاف شخص ما بين مدني أفغاني ومقاتل وجندي. وبلغ عدد قتلى القوات الأمريكي في أفغانستان حتى الآن 2350 جنديا إلى جانب 20092 عدد المصابين وأفراد أسرهم. يضاف لهم طبعا الأعداد الكبيرة من المدنيين العراقيين والعسكريين الأمريكان جراء غزو العراق واحتلاله، التي تجاوزت رقم المليون إنسان، خصوصا المدنيين الذين لم تحص القوات الأمريكية ومراكز دراساتها أعدادهم.
ويعاني 320 ألف جندي سابق خدموا في العراق وأفغانستان من آثار الإصابة في الرأس ومن أبرز تداعاياتها الاضطرابات الذهنية والشرود. ومن بين هؤلاء هناك 8237 ممن يعانون من إصابات شديدة في الدماغ إضافة إلى 1645 جنديا فقدوا جميع أو أحد الأطراف. وتشير إحصاءات إلى أنه خلال عام 2016 أقدم 20 جنديا متقاعدا على الانتحار يوميا حسب إحصاءات المركز الوطني للجنود المتقاعدين.
تشير تقديرات الباحثة في جامعة هارفارد ليندا بلايم إلى أن نفقات الخدمات الطبية لقدماء الحرب والمعاقين منهم خلال السنوات الأربعين المقبلة ستتجاوز تريليون دولار إذ تدل التجربة أن هذه الكلفة تبلغ حدها الأقصى خلال 30 إلى 40 سنة من انتهاء الحرب، وفق ما نشرته وكالات الأنباء.
ثمن الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق كلف أرقاما فلكية تجاوزت نظيرتها في فيتنام إلى حد بعيد. واقتربت من كلفة الحرب العالمية الثانية. وفي كل الأحوال فإن الأثمان التي دفعتها أو تدفعها إدارة الحرب والعدوان لا تعوّض الأثمان التي دفعها شعبا أفغانستان والعراق وما لحقهما من خسائر جسيمة، بشرية ومادية، وتداعياتها مستمرة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/09/11