لماذا يهجر شعب الروهينغيا المسلم؟!
كاظم الموسوي
ما يتعرض له شعب الروهينغيا في جزء من بلاده في ميانمار يدعو إلى التنبه والدعم، فحسب الاعترافات والبيانات يتعرض إلى إبادة جماعية!، وأمام الجميع، أمام الحكام والمحكومين، الحكومات والمؤسسات الإقليمية والدولية، دعاة حقوق الإنسان ورعاية الطفولة وحتى البيئة والحيوان، تنقلها صور الفضائيات وتعيدها الوكالات الإخبارية والإذاعات، (وهذا الجانب الوحيد الذي يخدم هذا الشعب)، أن مأساته تختبر الضمير الإنساني العالمي، وتضع كل المؤسسات والمنظمات أمام المحاكمة. لا أحد بريء من المساءلة والسؤال، اليوم وغدا، على مختلف الأصعدة والمستويات.. لا أحد لا تعنيه المأساة الجارية أمامه بكل قسوتها ووحشيتها وظلمها ولا إنسانيتها.. هناك أحاديث عن الصور التي تنقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تهز الأركان وتقشعر لها الأبدان. وهناك أقوال عن تضليل فيها أو تزوير، ولكن ثمة صور لا يمكن إنكارها، مباشرة وحية.. تصدم الشعارات البراقة عن حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية، التي تتشدق بها حكومات الدول الكبيرة والصغيرة، وتتبجح بالنسب والحجوم والادعاءات.
كارثة أخلاقية ومأساة إنسانية ومحنة ضمير … زعيمة الدولة اونغ سان سو كي (72 عاما) حائزة على جائزة نوبل للسلام، فأي سلام هذا، وأية إنسانية تشرف على تنفيذها هذه الحاملة للجائزة؟ أما حان وقت نزع الجائزة عنها؟، وتقديمها درسا لغيرها وعبرة لمن يحملها ويتصرف بما يحصل اليوم في ميانمار ( بورما سابقا). أليس مضحك حقا أو ان شر البلية ما يضحك، ما عودنا عليه الأمناء العامون للأمم المتحدة، وآخرهم لا يختلف عمن سبقه. فحسب الوكالات الإخبارية أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه العميق بسبب الوضع في ولاية راخين غرب ميانمار، وحث سلطات البلاد على حل مشكلة الوضع القانوني لمسلمي الروهينغيا المقيمين هناك. وقال غوتيريش في مؤتمر صحفي عقده في مقر الأمم المتحدة يوم 2017/9/5 إنه كتب رسالة إلى مجلس الأمن الدولي اقترح فيها اتخاذ إجراءات من شأنها حل الأزمة في إقليم راخين، دون أن يدعوه إلى اجتماع. ودعا سلطات ميانمار إلى اتخاذ “إجراء حاسم لكسر حلقة العنف المفرغة”، معتبرا أنه “من المهم للغاية منح المسلمين في ولاية راخين الجنسية أو على الأقل وضعا قانونيا مؤقتا يسمح لهم بحياة طبيعية”.
تحرم سلطات ميانمار الروهينغيا من حقوق المواطنة وتعتبرهم مهاجرين جاؤوا بطريقة غير شرعية، رغم تأكيد هذه الأقلية بأن لهم جذورا في البلاد تعود إلى قرون. كما يذكر أن جيش ميانمار قام مؤخرا بحملة أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 400 شخص وفرار قرابة 125 ألفا من الروهينغيا إلى بنغلادش المجاورة، مما أدى إلى حدوث أزمة إنسانية كبيرة. كما تقول الوكالات الإخبارية الأجنبية، حتى كتابة المقال في مطلع أيلول/ سبتمبر، والأعداد تزداد والأرقام تتصاعد.
تتنكر سلطات ماينمار لحقوق شعب الروهينغيا ولا تريد الاعتراف بها وتصنع كارثة مدمرة بولاية راخين ( اسمها القديم أراكان)، ولأكثر من مليون من شعب الروهينغيا،وتضطر عشرات الآلاف منه إلى الفرار إلى بنغلاديش المجاورة، تحت أعمال القتل والقمع والتعذيب والاغتصاب والحرق والتهجير القسري، أو التطهير العرقي المتعمد..
تحكم بورما السابقة طغمة عسكرية بوذية الديانة، وتواجه شعب الروهينغيا المسلم بارتكاب حرب إبادة وتطهير عرقي. منذ عام 2012 حاول الآلاف من الروهينغيا الفرار بالقوارب عبر بحر أندمان إلى ماليزيا أو برا إلى بنغلاديش. ومنذ أحداث تشرين الأول/ أكتوبر 2016، عندما لقى تسعة من رجال الشرطة مصرعهم في هجمات منسقة على مراكز حدودية. زعمت الحكومة حينها إن جماعة مسلحة غير معروفة من أقلية الروهينغا كانت مسؤولة عنها. واتخذتها ذريعة واججت عليها ردا قاسيا وحقدا دفينا وانتقاما دمويا أو لا يوصف، كما أوردت الأخبار وأشارت إلى أنها حملة عسكرية واسعة للجيش الحكومي رافقتها انتهاكات واسعة من قتل واغتصاب وتعذيب للروهينغيا.
تقوم الأمم المتحدة حاليا بالتحقيق في تقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل قوات الأمن، التي تنكر من جانبها، ارتكابها لأية مخالفات. ولكنها أشارت إلى إن رد قوات الأمن على هجمات “متمردي الروهينغيا” بلغ حد ارتكاب جريمة ضد الإنسانية.
من جهته أعلن المجلس الروهينغي الأوروبي، ( يوم 2017/8/28 ) مقتل ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مسلم، في هجمات للجيش الميانماري بإقليم أراكان. وفي تصريح لوكالة الأناضول الإخبارية، قالت المتحدثة باسم المجلس، أنيتا ستشوغ، إن “ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مسلم قُتلوا، في الأيام الأخيرة، في هجمات للجيش الميانماري بالإقليم”. وأضافت، استناداً إلى المعلومات التي حصل عليها المجلس من نشطاء ومصادر محلية بالمنطقة، فإن هجمات الجيش تسببت أيضا في تشريد أكثر من 100 ألف مسلم.
هذا المجلس يتابع ويعلن هذه الأرقام، التي قد تكون غير دقيقة مئة بالمئة، لكنها ابلغ وأشد ألما مما تعلنه الوكالات الإخبارية أو الحكومات والمنظمات الأخرى، المنحازة ضد هذه المجموعة البشرية المبتلية بهويتها وحياتها وموقعها. ولم تثر هذه المآسي ضمير المدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطية والتحولات الواجب إجراؤها في هذا السبيل، عبر مزاعم رئيسة البلاد وداعميها.
سجل مقال في مجلة فورن بوليسي الأمريكية أن طائفة الروهينغيا، التي يتجاوز عددها مليون شخص وتصنف في أسفل السلم الاجتماعي ببورما، لا تلمس نتائج هذا التحول. وفي الواقع، هم يواجهون بشكل متصاعد خطر الاختفاء الكلي من الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالبلاد، وأوضح المقال أنه “رغم عيش 10 في المئة من الأقلية المسلمة داخل مخيمات تفتقر للطعام والتغطية الصحية الملائمة، فإن الطائفة برمتها عرضة للانقراض”. وبغض النظر عن كل الانتهاكات القانونية والأخلاقية والإنسانية، كما يسكت على الجرائم المرتكبة والارتكابات اليومية، وهذا الوضع هو الذي سمح ويسمح لسلطات ماينمار أن تستمر في حربها وإبادتها، ومستغلة محاولات الإفلات من العقاب، والتواطؤ المريب الذي تشاهده بعد كل ما قامت به.
أين المنظمات الدولية والإقليمية؟ أين رابطة التعاون الإسلامي؟، أين الضمير الإنساني؟!
مرة أخرى الصور التي تبثها الفضائيات مباشرة من أحوال الروهينغيا اليومية، فضائح لا تغتفر، وجرائم لا تنسى، ومجازر لا يصمت عليها ولا تتقادم محاكمتها ووخز ضمير المتفرجين عليها. ويبقى السؤال: متى تتسارع المنظمات والحكومات المعنية اليوم بوضع الحلول التي تنقذ شعب الروهينغيا المسلم والمسالم، من حرب إبادة ودمار ومآرب أخرى؟!.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/09/20